كنت فقدت حسابي "فيس بوك" منذ صباح الخميس المنصرم بسبب خطأ فني ارتكبته دون قصد، ولم أستطع معه مواكبة قضايا الذين سقطوا خلال تلك الأيام، من ضحايا للعنف الذي يعكس وجع البلاد وحال بنيها؛ الذين افتقدوا لكثير من لحظات السلام.
أهم حدث في الساعات الماضية الكارثة الأخلاقية التي راح ضحيتها الشاب عبد الملك السنباني، 30 عامًا، وقد أشبعت القضية أقلام وأصوات من كافة الشرائح والأطياف ومناطق اليمن، بادانات واضحة وصريحة لا لبس فيها ولا حياد، دون تسييس للأمر أو تجيير للمصيبة على اعتبار أن: مشاهد القتل واحدة ومدانة من كل يمني.
سقط السنباني بطريقة رفضها القريب والبعيد الصاحب والعدو إلا القتلة أنفسهم الذين كان لهم رأي آخر ومهمة أخرى غير أخلاقية ولا تحتمل التعميم مطلقًا.
آخرون سقطوا في صنعاء وتعز واب لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا يواعدون الحياة بارسال الورد كل صباح، ويشتاقون للحرية التي قد يحملها فجر قادم من أي جهة، من هذا التفلت الذي أصاب كبد البلاد والعباد، ومفاصل الدولة وبنيانها؛ فهل نعي الدرس ولو على نحو مجزأ أو منفصل، لكي نصل في نهاية المطاف إلى إجماع مجتمعي أننا فقدنا بوصلة الحقيقة وعنفوان السلام، وأننا ماضون في درب ينتهي إلى سحيق.
الدرس كبير يا أبي.. حمل معه البكاء وأصوات الفزع والجزع ولغة الحرقة وابتهالات لن تعيد ما ذهب إلا أنها تعلن المواجهة مع كل إرهاب وقتل أيا كان وفي أي مكان.
توحد اليمنيون على أن الفاعل نكرة ويجب محاسبته ورفضوا كل أشكال التجيير والمحسوبية والكيل بمكيالين، فثمة فقدان لا يستحق التذاكي أو الشماتة بقدر ما يستحق الإدانة الواسعة واجتراح السبل الكفيلة لإخراج كامل تراب الوطن من تحت رقاب مجاميع تعشق القتل ولا تسعى إلى السلام.
قتل عبد الملك بطريقة مخجلة، وصورة لم تكن لتحدث لو أن كل صاحب مسؤولية عرف مهمته الأخلاقية والإنسانية والقانونية قبل أي شيء آخر، حادثة يجب أن تهذب قليلي الحياء ممن قفزوا للمشهد في غفلة من الزمن وليس لديهم أدنى قيمة بما يجب فعله في هذا الظرف السيئ.
الإجماع الآخر الذي توقفتْ عنده الأصوات والأقلام كان عند من بلعوا ألسنتهم في قضايا عديدة وانتفضوا فجأة لأن ثمة مادة دسمة للاشتغال واذكاء النار، والسؤال هنا لماذا لا تكون البلاد والضحايا كلهم السنباني، وتكون الأصوات خفاقة في كل مصيبة تهبط بدلًا من الاجتزاء الذي دمر القيم، حتى نوحد صوت الحقيقة.