تسعة أشخاص من تهامة. بينهم قاصر..!
بالصدفة المشؤومة كانوا هناك.. كجماعة فضولية من الهنود الحمر الأزتك جذبتهم حفلة لفرقة من المغامرين الأسبان.
لاحقاً.. وقعت الحادثة. وبالصدفة.. وجدوا أنفسهم في زنزانة سوداء مسئولين عن موت القائد الإسباني إرنان كورتيس.!
لم يُكفل لهم حق الدفاع عن أنفسهم.!
لم يسمح للمحامين باستلام ملف القضية.!
جرت محاكمتهم بليل، وفي الصباح. تم إخراجهم إلى الميدان.
لا يعرف "الوشاح" إن كانوا جناةً أم كباش فداء.!
لكنه قام بعمله. وأشرقت الشمس على مجزرة جماعية:
لتسعة أشخاص من تهامة. بينهم قاصر..!
أزهقت أرواحهم دون حتى تمكين أُسرهم من النظرة الأخيرة.!
ليست حادثة "دنشواي" أخرى. في اليمن.
الحيثيات الميدانية مختلفة، وإن كانت المحاكمة والتداعيات الاجتماعية والأبعاد الرمزية والشهرة السياسية والاجتماعية.. تجعلها كذلك.!
وفي الواقع. لا يمكن الحديث هنا بثقة عن نوعية ودرجة علاقة المتهمين بالتهمة.
لم يسمح أصلاً لأحد بالتحقق من هذه العلاقة!
لكن القضية جوهرياً، ليست دفاعاً عن أشخاص. متهمين، بل عن قيم: الحقيقة والعدالة.!
حتى بافتراض أن لهؤلاء الأشخاص علاقة بالأمر. من حقهم أن توفّر لهم حتى أدنى شروط المحاكمة العادلة.!
لكن هذا لم يحدث. كما كان عليه الحال بالنسبة لمن كانت تدينهم القبيلة. في العصور الحجرية الغابرة.
وأفضل من هذا.. كان كل شيء حينها يتم أمام أنظار الجميع.
إذن. ما جدوى عشرة آلاف سنة حضارة؟!
ما فائدة اختراع الدولة القديمة، وقانون حمورابي، والدولة الحديثة، والقوانين والدساتير والاتفاقيات الدولية.؟!
لا شيء.. تم تجاهل كل هذه التراكمات الحضارية الخلاقة في غمضة عين!
ونسفها بجرة قلم.!
تمت محاكمة المتهمين بالسر، ومعاقبتهم بالعلن.!
لم يعد هذا حاصلاً في العصر الحديث، إلا في بعض الغابات النائية والكهوف المجهولة والزوايا المهملة من العالم المعاصر.
في معظم العالم اليوم، ومنذ قرون طويلة:
لم تعد وظيفة القضاء ومهمة المحاكم هي: الردع وإنزال العقاب بالمتهمين.
بل ترسيخ قيم العدالة والحضارة في المجتمع. بتمكين المتهمين من حقوقهم القانونية والإنسانية، وتمكين المجتمع من متابعة المحاكمات بشفافة تامة.
بات "المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته"، وقبل ذلك: ليس من حق أحد تبرئة أو إدانة أحد خارج القضاء، وليس من حق القضاء محاكمة أحد دون تمكينه أولاً من حق الدفاع عن نفسه.
نعرف أن اليمن اليوم. بعد انهيار الدولة والمؤسسات.. سقطت في مستنقع الفوضى والتوحش.
في ردة حضارية إلى العصور الحجرية.!
ما حدث في صنعاء مؤخراً هو نكسة وفضيحة تاريخية مدوية.
هذه كلمة حق. وإن أريدَ بها باطل. من قبل بعض السفلة الذين يظنون أن أخطاء الآخرين. تغفر لهم ذنولهم، وتكفر عنهم سيئاتهم، وتبرر لهم خطاياهم، وأعمالهم الموبقة الزنيمة.!
هذا هو مأزقنا الديني القانوني الأخلاقي الحضاري الوجودي الراهن في اليمن:
في صنعاء: نظام كهنوتي بربري يعدم المتهمين دون محاكمات عادلة. وفي تعز، جماعة بربرية كهنوتية تقتل الأبرياء جماعياً دون محاكمات من أي نوع.!