د. صادق القاضي
ما الجديد في سقوط "العبدية".. ولماذا ستسقط "مأرب"؟!
كان من المؤكد مسبقاً. منذ بداية حصار "العبدية" أن هذه المنطقة البطلة المقاومة المعزولة المخذولة من قبل حلفائها الهازلين.. ستسقط في قبضة خصومها الجادين.
كما كان وما زال واضحاً. أن "مأرب". بنفطها وقبائلها ومقاتليها الشرسين.. ستسقط في نهاية المطاف، وأن المسألة مسألة وقت لا أكثر.
من تفاجأ أو سيتفاجأ بهذا السقوط. هو إما مغفل مغرر به، أو ساذج غبي لا يقرأ الواقع جيداً:
سقطت نهم والجوف وحجور وردمان.. ومؤخراً سقطت بيحان وحريب وعسيلان وعين.. سقطت بسهولة أشبه بالتسليم.!
وستسقط المناطق الأخرى بنفس السهولة، ولنفس الأسباب.
والأسباب واضحة أكثر مما يكفي:
هناك من قام من داخل "الشرعية" نفسها. بتحريف وتجريف وتصفية القضية اليمنية، وتغيير مسار السياسة والحرب في اليمن، لحساب أطراف أجنبية، وقضايا وصراعات لا علاقة لها باستعادة الدولة وإسقاط الانقلاب.!
بدأ هذا منذ سنوات، وبشكل مباشر مع بداية الأزمة الخليجية مع قطر، هذه الأزمة لا علاقة لها بالضرورة باليمن، لكن "بعضهم". خدمةً لقطر حاول تحويل اليمن إلى مستنقع لإغراق السعودية والإمارات.!
فجأة تحولت الدولتان، وبالذات الإمارات. في خطاب أكبر مكونات "الشرعية" من دول تحرير إلى دول احتلال.!
كانت الإمارات حينها بأسلحتها وعتادها تقاتل في نهم على مشارف صنعاء، وتحمي الجوف ومأرب وغيرهما من الصواريخ والجحافل الحوثية.
تم استعداؤها وشيطنتها والتحريض ضدها في كل المنابر السياسية والإعلامية، والمطالبة بخروجها من اليمن.!
وببساطة.. انسحبت الإمارات. من تلك المواقع المتقدمة. لصالح هذا الطرف المحرض، وعلى الأثر بدأ مسلسل السقوط، وتوالت الانكسارات والهزائم.!
"الإخوان". بالتحديد. هذه الجماعة التي نخرت "الشرعية" حتى العظم، انقلبت بالشرعية نفسها على كل شيء يمت بصلة للشرعية والقضية اليمنية. على كل المستويات:
على المستوى السياسي الدولي: باتت المشكلة اليمنية. مع السيسي وقيس سعيد وحفتر والإمارات.. لا مع إيران الداعمة للانقلاب!
وعلى المستوى العسكري المحلي: باتت المشكلة مع الانتقالي وطارق في الجنوب والغرب، لا مع الحوثي في الشمال.!
تحولت وجهة الحرب من تحرير المناطق اليمنية من قبضة الانقلاب إلى تحرير المناطق المحررة من سيطرة شركاء القضية والسلاح.!
عندما كانت المناطق أعلاه تتساقط من يد الإخوان في يد الجماعة الحوثية كانت ميليشيات الإخوان تحقق فتوحات عسكرية في الحجرية وشبوة وأبين.!
وبشكل أكثر سخرية ومأساوية وعمقاً وشمولية:
كانت المعسكرات قد تحولت إلى ميليشيات، والعسكر إلى بلاطجة ولصوص وقطاع طرق، والمقاومة إلى ثقب أسود لكل الإمكانات المحلية والدعم والمساعدات الأجنبية.!
معظم المناطق المحررة باتت غابات محكومة بالتوحش والفوضى والعنف والإرهاب..!
قادة الحرب والسياسة. ظهروا. في أغلبهم. كما هم. مجرد قتلة وزعماء عصابات، ومتفيدين ومستثمرين في الداخل والخارج.!
تم تمكين هؤلاء من كل شيء. وهكذا غمر طوفان الفساد والإفساد كل شيء واعد وممكن في اليمن.!
هل يعوَّل على هؤلاء في فك الحصار عن العبدية أو حماية مأرب من السقوط.؟!
سقوط هذه المناطق وما بعدها هو تحصيل حاصل لهذه المشكلة التي ما تزال قائمة، والأرجح أن الأمر لن يتغير في المستقبل القريب.
في آخر تصريحاته. قال الرئيس هادي:
"سنظل دائما كما عهدتمونا".!
بمعنى أن علينا أن نغسل أيدينا تماماً من أي أمل في هذه "الشرعية" التي ماتت منذ سنوات، وتعفنت، وتحللت، وتحتاج لمن يدفنها لا من يراهن عليها.