محمد عبده الشجاع
مشروع ذراع إيران في اليمن ومدى استشعار السعودية خطورته
لم تكن هناك قدرة لدى الإيرانيين للسيطرة على أجزاء واسعة من اليمن، واختراق نسيج اجتماعي شبه متصالح مع نفسه وفكره وحياته بشكل يومي، لولا أنها وجدت فراغاً في الكيانات والمؤسسات والبنية القبلية، إضافة لاستعانتها بنماذج أحداث من التاريخ وحساسية ذلك حتى أجهزت على أهم جغرافيا جنوب شبه الجزيرة العربية.
ولعل الصراع البارد بين نظام طهران وجيرانها أهمهم في الوقت الحاضر جمهورية أذربيجان التي تسعى إيران لزعزعة أمنها واستقرارها في ظل تلقي رسائل اذربيجانية شديدة اللهجة يدل على أن قوة طهران في الأدوات الرخيصة التي تخدمها وليس في بنيتها، فهي كما هو معروف تعاني من مشاكل لا حصر لها، فقد استطاعت أن تتكئ على تاريخها الاستعماري والتحالفات التي أفرزها واقع الصراع بين الدول العظمى.
استهلال مهم
لقد وقع اليمنيون ومعهم العرب في فخ عدم القدرة على ملء ما تبقى من فراغ، أو إزاحة الشبهات عن كاهل هذا البلد؛ فحضرت إيران بكل ثقلها، في ظل صراع أقطاب، وتقاطع مصالح، وأطماع استعمارية، منها ما هو بأثر رجعي.
والحقيقة فقد اعتاد النظام الإيراني، من خلال أذرعه، الوصول إلى أهدافه بأقل كلفة، مستخدما التشيع وسيلة لتنفيذ أصعب المهام، ولعل ما وصل إليه لبنان بثقله الثقافي والجغرافي والتنوع الفكري، وكذلك العراق بمكانته التاريخية، دليل على سوداوية الأدوات والأهداف التي يمثلها نظام الملالي.
غرق العراق في الطائفية المقيتة والفساد ومثله غرق لبنان في ظلام دامس، وتبخرت شعارات ووعود أطلقت من الضاحية الجنوبية، سبق ذلك انفجار "المرفأ" الذي كان بمثابة رصاصة الرحمة التي كشفت عن مستقبل ملغوم مع استمرار وجود مليشيا حزب الله.
اليمن.. وشعارات الموت
في إطار طمس هوية وجذور مجتمع كان يتمتع بقدرات وعلاقات أصيلة ونبيلة، عمدت المليشيا بداية، إلى استهلاك الوقت في طباعة شعاراتها؛ القائمة على دغدغة عواطف الجماهير، ونشرها على أوسع نطاق.
فكان شعار "الموت لأمريكا وإسرائيل" ومقاطعة البضائع الأمريكية، على الطريقة الإيرانية إبان الثورة الخمينية، قد تم نشره على معظم جدران وواجهات المدن والمناطق التي تم السيطرة عليها.
تضاعفت المأساة مع مرور الوقت ليصل إلى كافة المؤسسات الحكومية والتعليمية، كالمدارس والجامعات، ودور العبادة، حتى توغل في البيوت والقرى المترامية، وصولا إلى تثبيت ذلك بصوره السيئة في مناهج الدراسة.
تم تكريس معاني الجهاد وقتال الآخر وتضخيم قصص البطولات لدى النشء من الطلاب ومن تم استقطابهم لجبهات القتال والدفع بأنساق كبيرة منتحرة في معارك لا يُعرف لماذا تجري بهذا الشكل؟ ولا لماذا هي مستمرة بهذه الصورة؟!
إحاطات بلا نتائج
ضمن القراءات التي يمكن بناء عليها ما يجري، من مسارات تبدو مريبة في العملية السياسية، التواطؤ المكشوف، ومحاولة إيصال الحوثي إلى سدة الحكم؛ بغض النظر عن الشعارات المرفوعة والتجاوزات التي تمزق النسيج الإنساني وبنية المجتمع، ونشر ثقافة العنف، ورفض الديمقراطية والتعددية والتنوع الثقافي وحتى العرقي.
منذ العام 2015 حتى اليوم قدم مبعوثو الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن ما يقرب من 40 إحاطة حول أحداث اليمن، هو رقم كبير مقارنة إلى المآلات التي انتهت إليه الأحداث.
تلك الإحاطات ونتائجها تقودنا إلى أن هناك ثمة ترتيبات مستقبلية لهذا البلد غير واضحة، بدليل القرارات تم إجهاضها، من (2216) إلى "المبادرة الخليجية" و"مخرجات الحوار الوطني".
كانت آخر إحاطة قدمها المبعوث الأممي الجديد هانس غرومدبرغ في 14 أكتوبر/ الجاري، وهي الثانية له في مشواره الذي أكمل الشهر الثاني دون إحراز أي جديد على كافة المستويات.
بحسب الصحفي المتخصص نبيل الشرعبي، فإن تقديرات متوسط الميزانية السنوية لمكتب المبعوث الأممي حوالي 15 مليون دولار أميركي، ولمدة 7 أعوام سيكون إجمالي الميزانيات السنوية حوالي 105 ملايين دولار أميركي، دون الخروج بأي نتيجة.
المملكة وغياب الرؤية
في السياق نفسه، عندما نتوقف عند دور المملكة العربية السعودية التي تقود تحالف دعم الشرعية اليمنية منذ أن بدأت بشن الحرب مطلع العام 2015 فإننا سنتوقف عند نقطتين:
-هدف التحالف والمملكة من تلك الحرب.
-النتائج التي انتهى إليها ذلك الهدف.
للأسف الشديد وبحسابات الأرقام والجغرافيا والمستقبل، جاءت النتائج عكسية، تم تسليم شمال اليمن للذراع الإيرانية، فقدت الشرعية كل مقومات السلطة، تم تجريدها من أي مسؤولية؛ فباتت حبيسة فندق "الريتز" بالرياض، غير قادرة على العودة، وهذا لا يخدم المملكة أمام مشروع إيراني واضح المعالم بدعم دولي لا لبس فيه ولا ريب.
صحيح أن التوجه الديبلوماسي والتصريحات وتحركات المملكة والدعم الذي لا ينقطع يشيران إلى مواجهة إيران ومشروعها في المنطقة، لكن الفعل على الأرض يقول غير ذلك، والسؤال هنا هل الأدوات المضطلعة بالمشهد فاسدة وتسعى لإطالة الحرب؟ أم هناك سيناريو لإسقاط المملكة أو تقسيمها في أحسن الأحوال إلى دويلات؟
ولعل المعارك الأخيرة الدائرة في عمق محافظة مأرب منذ أشهر، وسقوط 12 مديرية آخرها العبدية؛ دليل على تخبط في السياسة السعودية ومن خلفها بقية الدول المؤثرة، إضافة لفقدان الثقة بينها وحلفائها من الشرعية اليمنية، والكشف عن ملفات فساد غير غائبة عن ذهن السفير السعودي آل جابر والرئاسة اليمنية ونائب الرئيس وبعض قيادات الجيش.
الخلاصة، أن إيران ومن خلال حسن ايرلو، الحاكم الفعلي اليوم للعاصمة صنعاء وعراب التوجيهات، تمضي في طريق تثبيت نظام شبيه أو نسخة غير محسنة منها في شبه جنوب الجزيرة العربية وفي ظل غياب المشروع العربي الجامع.