ردع استراتيجي وتعميق للمأساة.. إسرائيل توسع بنك أهدافها في صنعاء
السياسية - Sunday 24 August 2025 الساعة 09:29 pm
صعّد الجيش الإسرائيلي من وتيرة ضرباته الانتقامية ضد الحوثيين في اليمن، إذ شنّ، الأحد، الموجة الرابعة عشرة من الهجمات الجوية على صنعاء منذ اندلاع جولة التصعيد الأخيرة.
وتبرز هذه الضربات كجزء من معادلة الردع التي تسعى تل أبيب إلى تكريسها في مواجهة الهجمات الحوثية العابرة للحدود، لكن في المقابل يتعاظم القلق الدولي من أن المدنيين والبنية التحتية الحيوية في اليمن هم من يدفعون الثمن الأكبر.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن مقاتلاته استهدفت، استناداً إلى معلومات استخبارية دقيقة، نحو 50 هدفاً في صنعاء، شملت مجمعات عسكرية ومواقع لتخزين الوقود ومحطات للطاقة، بينها القصر الرئاسي في منطقة السبعين ومحطتا كهرباء حزيز وعصر. وجاءت هذه الضربات بعد يوم واحد من اعتراض إسرائيل صاروخاً متشظياً قالت إنه أُطلق من اليمن باتجاه تل أبيب.
وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، أن القصر الرئاسي "يدار من داخله النشاط العسكري للحوثيين"، مشدداً على أن الهجمات تستهدف البنية العسكرية للجماعة التي وصفها بـ"الذراع الإيرانية في اليمن". كما اتهم الحوثيين باستغلال موارد الطاقة والمواني لتمويل عملياتهم، وبتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
من جانبها قالت وسائل الإعلام الحوثية بينها وكالة سبأ الواقعة تحت سيطرتهم، أن الغارات أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة خمسة آخرين ضمن حصيلة أولية، واعترفت باستهداف محطتي النفط والكهرباء فقط، في حين زعمت أن دفاعاتها الجوية أجبرت عدداً من الطائرات الإسرائيلية على الانسحاب. لكن شهود عيان في صنعاء تحدثوا عن انفجارات وحرائق ضخمة ضربت المجمع الرئاسي وخزانات وقود ومحطات للطاقة، ما أدى إلى انقطاع جزئي للكهرباء في بعض الأحياء.
مصادر سياسية إسرائيلية أفادت بأن أجهزة الاستخبارات تعمل على بناء "بنك أهداف" واسع يشمل المواقع الحساسة للحوثيين، من موانئ ومنشآت عسكرية ومراكز تصنيع دفاعي، رغم التحديات الناجمة عن إخفاء معظم هذه المرافق تحت الأرض وصعوبة الوصول إلى معلومات دقيقة.
ويرى محللون أن هذه التطورات تعكس إدراك تل أبيب لخطورة الصواريخ والطائرات المسيّرة الحوثية على أمنها الداخلي، وهو ما يدفعها إلى تعزيز الردع عبر عمليات نوعية تستهدف القيادات والبنى التحتية على حد سواء. ويُقارن المراقبون هذه المقاربة بمحاولات سابقة نفذتها الولايات المتحدة ضد الحوثيين، والتي لم تنجح في وقف هجماتهم، ما يجعل التصعيد الحالي مؤشراً على دخول المواجهة مرحلة أكثر حساسية.
كما يشير خبراء عسكريون إلى أن حصول الجماعة مؤخراً على تقنيات متقدمة، بينها وقود الهيدرازين شديد الخطورة المستخدم في الدفع الصاروخي، رفع مستوى التهديد الذي تمثله، ووضعها في صدارة الأولويات الإسرائيلية في ظل مشهد إقليمي متغير ومعقد.
حدة الهجوم الإسرائيلي جاءت ردًا على إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة من قبل الحوثيين باتجاه الأراضي الإسرائيلية يوم الجمعة الماضية، والتي أظهر تحقيق أولي أن أحدها كان يحمل رأسًا حربيًا متشظيًا، وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها الحوثيون هذا النوع من الصواريخ ضد إسرائيل، ما وصفته تل أبيب بأنه سابقة خطيرة، بحسب القناة "السابعة" العبرية. ووفق التقرير العبري، تتسم أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية بخبرة عالية في التعامل مع صواريخ من هذا النوع، وقد تم اعتراضها في مناسبات سابقة.
إضافةً إلى ذلك، لا يزال التحقيق جاريًا في سبب الإخفاق في عملية الاعتراض يوم الجمعة، والذي، وفق الرواية الإسرائيلية، لا يرتبط بنوع الصاروخ المُطلق، رغم التشكيك في قدرة الدفاعات على مواجهة هذه النوعية من الصواريخ، كما حدث خلال ضربات إيرانية سابقة وفي الضربة الحوثية الأخيرة غير المسبوقة.
منذ مارس (آذار) الماضي، أطلق الحوثيون أكثر من 55 صاروخاً باليستياً إلى جانب طائرات مسيّرة باتجاه إسرائيل، فضلاً عن تكثيف الهجمات البحرية التي أوقعت خسائر بشرية ومادية بسفن تجارية، معظمها لا يرتبط مباشرة بإسرائيل. ومع أن الجماعة تزعم أن عملياتها تأتي "نصرة لغزة"، إلا أن الموجات المتكررة من الضربات الإسرائيلية – التي بلغت حتى الآن 14 هجوماً – تعكس إصرار تل أبيب على تثبيت قواعد اشتباك جديدة تتجاوز حدود فلسطين.
وبحسب مراقبون أن استهداف البنية التحتية للطاقة والنقل في صنعاء والحديدة يضاعف الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث يعيش ملايين السكان أوضاعاً معيشية متدهورة أساساً بفعل سنوات الحرب والحصار. فالغارات السابقة عطّلت رحلات مطار صنعاء ودمرت مرافق تجارية، فيما تهدد الضربات الأخيرة بانهيار إمدادات الكهرباء والوقود في صنعاء.
وبينما تؤكد تل أبيب تصميمها على الرد على أي تهديد "مهما بلغت المسافة"، تتصاعد التحذيرات الأممية من أن استمرار استهداف البنية التحتية الاقتصادية في اليمن سيجر البلاد إلى مزيد من الانهيار، في وقت يعيش أكثر من 20 مليون يمني تحت خط الفقر ويعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء.