استماتة الإخوان في تعز.. الدفاع عن الجبايات فوق مصالح المواطنين والجبهات
السياسية - منذ 4 ساعات و 7 دقائق
في تعز، تبدو المعادلة الأمنية والاقتصادية مرتبكة بشكل متزايد، حيث تتحول الجبهات العسكرية إلى ذريعة لاستنزاف موارد المواطنين بدلاً من تحقيق الانتصارات. ففي الوقت الذي تعيش فيه المحافظة أزمات خانقة على رأسها نقص المياه وتأخر صرف المرتبات، تصر قيادات حزب الإصلاح الإخواني وموالوها في محور تعز العسكري على الدفاع المستميت عن جبايات وإتاوات تُفرض على السكان، على رأسها ضريبة القات، بزعم دعم الجنود والحفاظ على المدينة من الحوثيين.
هذا الدفاع غير المسبوق عن الأموال المنهوبة يعكس تحوّل الجباية إلى أداة سياسية واقتصادية لتثبيت النفوذ والسيطرة على الموارد المحلية، فيما تتحول حقوق المواطنين الأساسية واحتياجات الخدمات العامة إلى ضحايا لهذه السياسات. ويبرز التناقض الواضح بين الادعاءات الرسمية بقيادة المحور حول استخدام الأموال لصالح الجبهات، والحقائق الميدانية التي تؤكد استنزاف الموارد لصالح القيادات والألوية الموالية للحزب، بما يزيد من الاحتقان الاجتماعي ويعمّق الأزمة الاقتصادية في المدينة.
وخرج العشرات من أنصار حزب الإصلاح وقيادة محور تعز العسكري، الإثنين، في تظاهرة مصغرة أمام مبنى السلطة المحلية في شارع جمال وسط المدينة، لتأكيد دعمهم لاستمرار قيادة المحور في الحصول على ضريبة القات. ورفع المتظاهرون لافتات مؤيدة للوحدات العسكرية في المحور، مطالبين السلطة المحلية ووزارة الدفاع بسرعة معالجة أوضاعهم، بينما دوّنت اللافتات شعارات مثل: "ضريبة القات مش أهم من ضريبة الدم يا محافظ تعز".
تأتي هذه الاحتجاجات بعد توجيهات من رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع بإنهاء عمليات النهب والاستيلاء غير المشروع على إيرادات ضريبة القات، وإعادة الأموال إلى خزينة السلطة المحلية لتنفيذ المشاريع التنموية والخدمية. ورغم ذلك، تبرر قيادة المحور والحزب استمرار الجبايات بأنها لتغطية احتياجات الجنود، فيما تؤكد وزارة الدفاع أن محور تعز العسكري يتلقى ذات الدعم المخصص لبقية المحاور دون الحاجة لأخذ أي أموال إضافية من السكان. وتشير التقارير إلى أن قيادة محور تعز استولت على 546 مليون ريال خلال عام 2024، و1.68 مليار ريال خلال فترة قصيرة في مايو/أيار 2025.
وقال مصدر محلي في تعز: "تخيلوا ملياري ونصف المليار ريال سنوياً من ضرائب القات، إضافة لجبايات أخرى من إيرادات المشتقات النفطية والغاز، وكل هذا تحت مبرر عدم وجود موازنة للمحور، في حين يذهب معظم المال كمصاريف للقيادة والضباط الموالين للحزب وليس للجبهات، والقتال متوقف منذ سنوات إلا لمناوشات صغيرة لتبرير شراء الذخائر دون أي تحقيق انتصارات".
ويشير مراقبون إلى أن هذه السياسات تعكس تحوّل الموارد المحلية إلى أدوات نفوذ سياسي واقتصادي، وأن استمرار هذه الجبايات والإتاوات سيزيد من المعاناة اليومية للمواطنين ويعطل تقديم الخدمات الأساسية في تعز، بما يهدد استقرار المحافظة ويفاقم الأزمة الإنسانية فيها.
وفي الوقت الذي يستميت فيه الإخوان عبر أذرعهم العسكرية داخل مدينة تعز للدفاع عن الجبايات تحت مبرر دعم الجيش، برزت تحركات موازية لجماعة الحوثي في مناطق سيطرتها بالحوبان. فقد عقدت قيادات حوثية بارزة، وعلى رأسها القيادي المعيّن قائداً للمنطقة العسكرية الرابعة، عبد اللطيف المهدي، اجتماعاً مع من أسموهم "أحرار تعز"، في رسالة تعكس بوضوح تقاطع الأجندات الخبيثة الهادفة إلى استهداف المناطق المحررة وإغراقها في مزيد من الفوضى.
المهدي تحدث خلال اللقاء عن وجود "تواصل مع الشرفاء لكشف الأقنعة والمؤامرات"، مؤكداً أن "تعز ليست على هامش الاهتمام بل في قلب الأولوية وواجهة الحضور القيادي"، وهي تصريحات تكشف مساعي الحوثيين لاستثمار الفوضى التي يخلقها الإخوان داخل المدينة، بما يخدم أجندة مشتركة عنوانها تعطيل مؤسسات الدولة وإضعاف حضورها.
وفي سياق متصل، اعتبر نشطاء وكتاب ومحللون سياسيون أن ما يقوم به محور تعز العسكري الموالي للإخوان لا ينفصل عن محاولات إجهاض الإصلاحات الحكومية. الكاتب صالح الحنشي قال في منشور على فيسبوك إن "محور تعز يعلن رسمياً تمرده على الإصلاحات الحكومية، فكيف ستصرف الحكومة مستحقات الجيش إذا كان المحور يستولي على الموارد؟ عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها سببه شحة الموارد بعد أن تقاسمت العصابات سرقتها، إذ إن نحو 80% من الإيرادات لا يتم توريدها للبنك المركزي". واصفاً مبررات المحور بأنها "كذبة سمجة"، ومؤكداً أنهم "يسعون لتعطيل الإصلاحات خدمة لجماعة الحوثي الإرهابية".
من جانبه، كتب الناشط حلمي الحمادي أن "الخلاف الحقيقي ليس حول رواتب الجنود أو اعتمادات الجيش، وإنما حول النفقات الإضافية التي تذهب لتشكيلات خارج قوام قوات المحور ووزارة الدفاع، وهو ما أشار إليه بيان المحور باعتباره (احتياجات غير قابلة للتفاوض)". وأوضح أن "محور تعز مستعد لخوض حرب مع كل من يقترب من ملف الإيرادات، لأن وقف تدفق هذه الأموال يعني شلّ قوة حزب الإصلاح العسكرية، سواء في تعز أو مأرب"، مضيفاً أن "معركة استعادة الإيرادات ستكون طويلة وقاسية".
وقال الناشط مروان المعمري: "الجيش في تعز أصبح قياداته تبحث عن الجبايات والإتاوات بدلًا عن تحرير ما تبقى من مناطق خاضعة للميليشيات الحوثية. يتحدثون عن تسليم تعز للحوثي إذا تم قطع ما يقومون بنهبه، وكأن الجيش أصبح أداة لمخططاتهم وأعمالهم الإجرامية. هل هذه الجباية تغني الجندي وتوفر له الحياة الكريمة كما يحاول نشطاء الإصلاح الترويج له؟ المواطنون في تعز يعيشون أوضاعاً صعبة ولا يجدون لقمة العيش ولا الماء النظيف".
وأضاف ناشط آخر: "محور تعز يضم عشرة ألوية عسكرية وكتائب مهام واحتياط، و17 ألف جندي وضابط، لكن كثيراً ممن يتسلمون مرتبات ليسوا جنوداً حقيقيين، بينهم أسماء وهمية، أقارب قيادات إصلاحية، وقصر تحت السن القانونية، ونساء وفتيات مقربات للقيادات؛ بعد انقطاع جباية حق القات، الصراخ يصدح وكأن الفلوس التي يتم نهبها أصبحت حقاً لهم، بينما يُفقد الشعب والمشاريع الخدمية".