عقوبات أميركية تخنق شبكات الحوثيين المالية وتكشف امتداداتها العابرة للحدود
السياسية - منذ 3 ساعات و 4 دقائق
في لحظة فارقة من مسار المواجهة الدولية مع ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، جاءت الحزمة الجديدة من العقوبات الأميركية، التي وُصفت بأنها الأوسع حتى الآن، لتغلق المزيد من شرايين التمويل التي اعتمدت عليها الجماعة طوال سنوات الحرب.
وبالنظر إلى طبيعة هذه العقوبات واتساع نطاقها جغرافياً وبشرياً، يرى خبراء أن الحوثيين باتوا أمام أزمة تمويل غير مسبوقة، تعرقل قدرتهم على تطوير إمكانياتهم العسكرية العابرة للحدود، وتضعف في الوقت ذاته أدواتهم السياسية والاقتصادية في الداخل اليمني.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، الخميس، فرض عقوبات على 32 فرداً وكياناً وأربع سفن مرتبطة بالحوثيين، متهمة إياهم بالضلوع في تمويل الجماعة عبر شبكات تهريب معقدة وعمليات غسل أموال ضخمة، تشمل دولاً عدة بينها الصين وجزر مارشال.ومن بين الأفراد المشمولين بالعقوبات شخصية تحمل الجنسية الصينية، في مؤشر على اتساع دائرة الأطراف المتورطة في دعم الحوثيين وتوريد مكونات حساسة لبرامجهم العسكرية، تشمل الصواريخ الباليستية وصواريخ "كروز" والطائرات المسيّرة.
وأكدت الوزارة أن هذه الشبكات وفرت للجماعة موارد مالية ضخمة من تجارة النفط ووسائل شحن غير مشروعة، أعيد توجيهها لتمويل سلسلة إمداد عالمية بالأسلحة، معتمدة على شركات واجهة وميسرين في موانئ خاضعة لسيطرة الحوثيين.
جون ك. هيرلي، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، شدد في بيان رسمي على أن الحوثيين يواصلون تهديد أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر واستهداف المصالح الأميركية وحلفائها بالتنسيق مع إيران، مؤكداً أن واشنطن ستواصل فرض أقصى درجات الضغط المالي عليهم.
ويؤكد محللون أن هذه الإجراءات تعني إدخال الحوثيين في "مرحلة الخنق الاقتصادي"، حيث إن أي تعامل مع شبكاتهم التجارية أو اللوجستية سيُنظر إليه كمخاطرة جسيمة تهدد مصالح الشركات الدولية. وبذلك ستتقلص قدرة الجماعة على الحصول على مكونات حساسة لبرامجها الصاروخية، وسترتفع كلفة التهريب وإعادة تدوير الأموال، ما يضعف بنيتها العسكرية.
شملت العقوبات شخصيات يمنية بارزة، بينها صدام أحمد محمد الفقيه، زايد علي يحيى الشرافي، نصر حسين الحمّادي، هشام النهاري، إضافة إلى الصيني لي ينغ، وآخرين. فضلاً عن شركات متعددة مثل "الفقيه الدولية للتجارة"، و"شركة قوانغتشو النهاري للتجارة" في الصين، و"شركة كمران للصناعة والاستثمار"، و"ستار إم إم" و"أويل برايمر" وشركة "شركة ييوو وان شون للتجارة المحدودة" وغيرهم، إلى جانب أربع سفن ناقلة للنفط والكيماويات، بينها السفينة بلاك روك وستار إم إم وشريا ونوبل إم.
بدورها رحبت الحكومة اليمنية بالعقوبات الجديدة، واعتبرتها "خطوة جادة في مواجهة الخطر الحوثي على الأمن الإقليمي والدولي". وزير الإعلام معمر الإرياني قال إن الإجراءات تكشف حجم الفساد والنهب الممنهج الذي مارسته الميليشيا، مشيراً إلى أنها "تستهدف الاقتصاد الموازي الذي أنشأته الجماعة عبر السيطرة على الشركات ونهب مؤسسات الدولة، وتحويلها إلى مصدر رئيس لتمويل الصواريخ والطائرات المسيّرة".
الإرياني أكد أن هذه العقوبات تعكس التعاون الوثيق بين اليمن والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، مشدداً على أن الضغوط المالية ستدفع الحوثيين عاجلاً أو آجلاً نحو طاولة التفاوض، وتفتح الباب أمام إنهاء الانقسام الاقتصادي وتوحيد العملة الوطنية.
ويرى محللون أن الحكومة الشرعية يمكن أن تكون المستفيد الأكبر من هذه العقوبات إذا أحسنت استثمارها، من خلال تعزيز أجهزة الرقابة المالية، وتنمية مواردها المحلية، وتحسين إدارة النقد الأجنبي. فالتقليص التدريجي لقدرة الحوثيين على التحكم بالعملة الأجنبية سيمنح الحكومة فرصة لتثبيت سعر الريال اليمني، وتعزيز ثقة الشارع بالإصلاحات الاقتصادية الجارية.
وبينما تبدو هذه العقوبات كخطوة لحرمان الحوثيين من أدوات القوة المالية والعسكرية، فإنها في الوقت ذاته تمنح الحكومة الشرعية ورقة ضغط مهمة على طاولة المفاوضات. إذ أن عزل الحوثيين عن شبكات الدعم الخارجية، وإغلاق قنوات التمويل التي تمدّهم بالقدرة على الاستمرار، يمثل مكسباً سياسياً واقتصادياً لليمنيين الباحثين عن استقرار طال انتظاره.