الألغام الحوثي في الحديدة.. جريمة حرب ممولة دوليًا باسم "التعافي الإنساني"

السياسية - منذ 3 ساعات و 41 دقيقة
الحديدة، نيوزيمن، خاص:

على مدى السنوات الماضية، تلقت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، دعمًا ماليًّا من جهات تابعة للأمم المتحدة ومن منظمات دولية عاملة في اليمن، تحت غطاء مشاريع من نوع "نزع الألغام" أو "التعامل مع المتفجّرات ومخلفات الحرب". 

هذا الواقع يفتح أكثر من علامة استفهام، فحينما يُقدَّم الدعم المالي "لجهة تحت سيطرة الميليشيات الزراع الفعلي للألغام" فإن ذلك يشكل إشكالية أخلاقية وحقوقية كبرى: إذ كيف يمكن أن تُقدَّم المساعدات لنزع الألغام لمن هم سبب الكارثة التي سيعاني من اليمن لـ 30 عام قادمة.

في الأيام الماضية خرجت الميليشيات بمسرحية إعلامية لإعلان تدمير كميات من مخلفات الحرف في محافظة الحديدة، بينها "250 لغمًا مضاداً للآليات و50 لغمًا مضاداً للأفراد" في منطقة منظور بدعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبحضور مسؤولي اللجنة. المشهد أظهر الدعم الخارجي الذي تتحصل عليه الميليشيات الحوثية تحت عنوان نزع الألغام وهو ما يضع مؤسسات دولية ودول مانحة أمام مسؤولية العبث في أموال المساعدات التي توجه بصورة خاطئة نحو الجهة المتورطة في زراعة الموت باليمن.  

دعم الكارثة 

تشير عدة تقارير إلى أن جماعة الحوثيين هي الطرف الأساسي في استخدام الألغام الأرضية والألغام المضادة للأفراد والمركبات، وكذلك العبوات المتفجّرة المتخلّفة عن الحرب، في اليمن. وكشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أن الألغام التي زرعتها الجماعة تسبّبت في مقتل 64 مدنياً وإصابة 83 آخرين في محافظة الحديدة خلال الفترة من 1 كانون الثاني حتى 30 أغسطس 2025، إضافة إلى تضرّر 68 مركبة. كما أورد تقرير صادر عن مشروع مسام لنزع الألغام في اليمن أنّه تم إحصاء أكثر من 9,584 مدنياً بين قتيل وجريح بسبب الألغام منذ عام 2014 حتى نهاية 2024. 

وكذلك، تقول مراجعة دولية أن استخدام الحوثيين للألغام والعبوات والذخائر غير المنفجرة منتشر "على نطاق واسع" في القرى والمدارس والمياه، وأن الجماعة لم تسلّم خرائط لحقول الألغام كما يقتضي التزامها القانوني. 

وبذلك، فإن الجماعة ليست مجرد طرف في الاستخدام، بل منشئ ومنفّذ لحقول الألغام، ما يجعلها مسؤولة عن أوسع عملية زرع ألغام تشهدها الأرض منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بحسب توصيف إحدى الجهات الحقوقية.

 وعلى مدى السنوات الماضية، تلقت جهات أممية وبرامج للتدخل في اليمن مبالغ دعم لبرامج نزع الألغام. أخرها في يوليو 2025، حيث كشف مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع (UNOPS) أن مشروعاً بالشراكة مع هولندا سيُوسّع أعمالها في مجال مسح وتطهير الألغام والذخائر المتفجّرة في المحافظات الجنوبية. 

لكن من جهة ميدانية، تؤكد تقارير أن هذه الموارد – أو على الأقل بعضها – تنتهي إلى كيانات مرتبطة بالحوثيين أو تُوظّف بطرق تفتقر للشفافية، إذ توثّق الجهات الحقوقية أن الميليشيا تسخّر "حوادث" الألغام في مناطق سيطرتها – التي تُعلن عنها كجزء من أنشطة "مكافحة الألغام" – بينما في الواقع تستمر في زرع حقول ألغام لا خرائط لها ولا إشعارات تحذيرية.

ويرى مراقبون محليون أن استمرار التمويل باسم "مكافحة الألغام" في مناطق تحت سيطرة الحوثيين، دون تقديم خرائط أو معلومات شفافة عن حقول الألغام، أو دون التحقق من أن تلك الأموال لا تنفّذ من قبل الجماعة لزرع ألغام جديدة، يشكّل نوعاً من استمرار التمويل غير المباشر لطرف الزراعة وليس فقط الإزالة.

تزييف للحقيقة

تظهر معطيات ميدانية أن قيادات الحوثيين تسعى إلى الظفر بالدعم الدولي عبر الترويج لحوادث انفجار أو إزالة، وفي الوقت نفسه تبادر إلى عدم تسليم بيانات أو خرائط حقل الألغام التي زرعتها. وتتحاشا تسليم الخرائط كون ذلك يمثل اعترافًا ضمنيًا بمسؤوليتهم عن الزراعة، وهو ما تحاشاه الجماعة. كما إن إبقاء حقول الألغام يكسبهم مزايا عسكرية ورقعة ضغط في المفاوضات، ويُطيل زمن الخطر والعقاب على المدنيين.

خلال حملات الدعاية التي تنفذها الميليشيات  تُبرز وسائل إعلامها حوادث انفجار المدنيين على أنها من مخلفات ما يسمونه"العدوان السعودي – الأمريكي" أو "القنابل العنقودية"، في محاولة منها لتغذّية خطاب المظلومية ويوظّف معاناة المدنيين لأهداف سياسية ومالية خاصة بهم.

وتندرج عملية تدمير مخلفات وألغام قبل أيام في منطقة منظر بالحديدة بحضور مسؤولي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في إطار الترويج الإعلامي الهادف إلى الحصول على دعم إضافي. كما يُنظر إلى الحملة الإعلامية والاجتماعية كجزء من "تزييف الحقيقة" أو التعتيم على الدور الحقيقي للجماعة في زراعة الألغام، بينما تُستخدم لتسويق دعم خارجي تحت عنوان إنساني.

في المقابل، يواجه  المركز الوطني للتعامل مع الألغام الحكومي صعوبات كبيرة في إنجاز مهامه الميدانية، إذ يفتقر إلى التمويل الكافي، والأدوات التقنية، والدعم اللوجستي، في وقت تشهد فيه البلاد زراعة مكثّفة لألغام من قبل الميليشيا. وأدى تقليص دعم البرنامج الأممي المتعلق بالألغام بسبب النقص في التمويل الدولي إلى تراجع وانخفاض في تأمين المناطق الملغومة حيث أدّى ذلك إلى توقف أكثر من 60 فريق مسح وتطهير عن العمل. فالجهات الوطنية الشرعية التي تحاول معالجة الكارثة تحارب بمستوى أدوات بسيط، بينما الجهة التي أنشأت هذا الحقل (الميليشيا) تستفيد من التمويل الدولي باسم إزالته.