خيارات صعبة لمواجهة تكلفة مغامرة البحر.. تهديدات "مفتاح" ترسم مأزق الحوثي لما بعد غزة

السياسية - منذ 3 ساعات
المخا، نيوزيمن، تحليل خاص:

تكشف التهديدات الأخيرة للقائم بأعمال رئيس حكومة ميليشيا الحوثي الإرهابية، حجم الأزمة الداخلية التي تعانيها الميليشيا اليوم في مواجهة مرحلة ما بعد وقف الحرب في قطاع غزة.

وخلال فعالية داخلية، أطلق القائم بأعمال رئيس الحكومة الحوثية، محمد مفتاح، تهديداتٍ إلى من أسماهم بـ"العملاء والخونة ومن يقفون وراءهم"، واتهمهم باتخاذ "إجراءات للتضييق على شعبنا والتضييق على تدفق السلع".

وقد هدد مفتاح قائلاً إن "معادلة البنك بالبنك والمطار بالمطار والميناء بالميناء لم تسقط"، في تذكيرٍ بالتهديدات التي كان زعيم الميليشيا الحوثية قد وجهها نحو السعودية في منتصف عام 2024م.

وجاءت تلك التهديدات حينها ردًّا على قرارات البنك المركزي اليمني بنقل مراكز البنوك التجارية اليمنية من صنعاء إلى عدن، وتجميد الرحلات من مطار صنعاء إلى الأردن، بسبب احتجاز الميليشيا لأرصدة شركة "اليمنية".

وفي حين لم يحدد مفتاح الجهة المستهدفة بالتهديدات، وما إذا كانت السعودية التي تقود تحالفًا عربيًا منذ 10 سنوات لدعم الحكومة الشرعية أم لا، إلا أن الواضح والمؤكد أن تلك التهديدات تشير إلى الأزمة المستمرة التي تعانيها الميليشيا اليوم، بسبب توقف نشاط مطار صنعاء وتقلص نشاط موانئ الحديدة.

ويعود ذلك إلى سلسلة الغارات الإسرائيلية والأمريكية، ومعها البريطانية، التي استهدفت مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية منذ يناير من عام 2024م، ردًّا على هجمات الميليشيا ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، تحت لافتة "إسناد غزة" و"حظر الملاحة الإسرائيلية".

هذه الغارات، وخاصة الإسرائيلية منها، أدت إلى توقفٍ تام لنشاط مطار صنعاء منذ أواخر مايو الماضي، بعد تدمير جميع الطائرات التابعة لشركة "اليمنية" التي اختطفتها الميليشيا، في حين تواصل تل أبيب استهداف موانئ الحديدة لمنع الميليشيا من استئناف نشاطها.

وهو ما يطرح تساؤلاتٍ حول التهديدات الأخيرة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، واستخدامه صيغة التهديدات التي أطلقها زعيم الميليشيا منتصف العام الماضي ضد السعودية، على خلفية أزمة قرارات البنك المركزي ووقف الرحلات من مطار صنعاء.

ففي حين نجحت حينها تهديدات زعيم الميليشيا نحو الرياض في إلغاء قرارات البنك المركزي وعودة الرحلات إلى مطار صنعاء، إلا أن الأمر مختلف تمامًا هذه المرة؛ فمن يقف خلف وقف نشاط مطار صنعاء وموانئ الحديدة ليست السعودية أو الشرعية، بل هي إسرائيل ومن خلفها دعم مطلق من أمريكا والغرب.

وما تصفه الميليشيا الحوثية اليوم من إجراءات للتضييق على اليمنيين في مناطق سيطرتها والتضييق على تدفق السلع، كما زعم مفتاح، ليس إلا أحد تداعيات التصعيد المتهور الذي قادته الميليشيا المدعومة من إيران ضد العالم باستهداف ملاحته، وضد خصمٍ عسكري قوي كإسرائيل.

ما يجعل من قدرة الميليشيا الحوثية على تنفيذ تهديداتها على لسان مفتاح بـ"معادلة البنك بالبنك والمطار بالمطار والميناء بالميناء" ضد إسرائيل مثلًا، أمرًا مثيرًا للسخرية، بعد أن فشلت طيلة عامٍ كامل في تنفيذ تهديداتها بفرض حصارٍ جوي وبحري على تل أبيب، في حين أن مجرد تهديدها بفرض أمرٍ كهذا على أمريكا مثلًا يُعد تهريجًا سياسيًا.

وهو ما يجعل من هذه التهديدات أمرًا مُلحًّا للميليشيا الحوثية، بغرض الاستهلاك المحلي أمام اليمنيين في مناطق سيطرتها، لمحاولة احتواء أي تداعياتٍ صادرةٍ منهم على تكلفة إغلاق منافذهم الجوية والبحرية بسبب مقامرة الميليشيا بالبحر.

وتتضاعف مخاوف الميليشيا من أي تداعياتٍ شعبية على حالة الحصار التي تسببت بها، مع مخاوفها من تداعيات وقف الحرب في غزة التي مثلت متنفسًا أنقذ الميليشيا الحوثية من مأزق وقف الحرب في اليمن باتفاق الهدنة الأممية مطلع أبريل عام 2022م.

فالحرب التي اندلعت في مارس من عام 2015م حتى اتفاق الهدنة مثلت ذريعة قوية بيد الميليشيا الحوثية للهرب من التزاماتها كسلطة أمرٍ واقع تجاه اليمنيين في مناطق سيطرتها، وعلى رأسها دفع المرتبات وتقديم الخدمات، ومثلت الحرب لافتةً لنهب كل الإيرادات وفرض الجبايات.

إلا أن توقف الحرب باتفاق الهدنة في أبريل 2022م أسقط ذرائع الميليشيا الحوثية تجاه ملفات الرواتب والخدمات، ودفع بوجود مطالباتٍ شعبيةٍ تصاعدت خلال العام الأول للهدنة، ومثلت أزمةً غير مسبوقةٍ للمليشيا لم تنجُ منها إلا باندلاع الحرب في غزة مطلع أكتوبر من عام 2024م.

لتجد الميليشيا الحوثية اليوم نفسها تعود إلى ذات المأزق مع توقف الحرب في غزة بضغوطٍ أمريكيةٍ باتفاقٍ مطلع الشهر الجاري، ليتوقف مع الاتفاق ذريعة الميليشيا في التصعيد بالبحر أو في شن هجماتٍ صاروخية نحو إسرائيل.

بل إن الميليشيا الحوثية ترى أن مأزقها اليوم بتوقف الحرب أشدّ مما حصل عقب اتفاق الهدنة؛ فهي تعاني من جهةٍ مخاوفَ شعبيةٍ من استمرار تداعيات التصعيد بوقف نشاط مطار صنعاء وموانئ الحديدة، ومن جهةٍ أخرى تعيش تداعياتٍ غير مسبوقةٍ لنجاح الغارات الإسرائيلية، ومن قبلها الأمريكية، في استهداف قياداتٍ بارزةٍ ومواقعَ حساسةٍ لمخازن أسلحتها ومعامل تجميعها.

فهذه الغارات، وخاصة الأخيرة التي نجحت إسرائيل فيها في استهداف حكومة الميليشيا الحوثية وأبرز قادتها العسكريين، وعلى رأسهم رئيس أركانها محمد الغماري، كشفت عن هشاشةٍ صادمةٍ للحوثية في مواجهة الاختراق الاستخباري لصفوفها، ما نسف أسطورة الميليشيا بأنها منيعة من الاختراق، كما حصل مع النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة.

هذا الخرق الاستخباري الذي مثّل "زلزالًا" هز كيان الميليشيا الحوثية، ووضعها أمام تحدٍّ غير مسبوقٍ في محاولة إعادة ترتيب صفوفها أمنيًا وتحصين قياداتها ومواقعها من الاختراق، وهو أمرٌ بلا شك سيمثل تحديًا أمام أي رغبةٍ للميليشيا في خوض تصعيدٍ عسكري نحو الداخل أو الخارج.

مأزقٌ مركّبٌ تعانيه الميليشيا الحوثية اليوم في قدرتها على التعامل مع مرحلة ما بعد وقف الحرب في غزة، والتعامل مع تداعيات أو كلفة التصعيد الذي خاضته تحت لافتة هذه الحرب، في حين أن خياراتها في كل ذلك صعبةٌ ومكلفة.