تسمين وتمكين الحوثي كوظيفة أممية

السياسية - Tuesday 06 August 2019 الساعة 11:33 pm
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

في اليوم الذي وقع فيه مكتب برنامج الغذاء العالمي باليمن اتفاقاً جديداً لتنظيم المساعدات الإنسانية في اليمن مع عبدالمحسن الطاووس رئيس ما تسمى بـ"هيئة تنسيق المساعدات الإنسانية" التي أنشأها الحوثيون مؤخراً، كانت وكالة اسوشيتد برس الدولية تنشر تحقيقاً موسعاً عن فساد هيئات الأمم المتحدة العاملة في اليمن، وكيف تتواطأ مع جماعة الحوثيين لتمرير عمليات فساد بملايين الدولارات، لكن ذلك لم يؤثر على الاتفاق على الأقل حتى الآن، فما كشفه التحقيق كان معلوماً لدى هيئات الأمم المتحدة منذ أشهر، وتعاملت معه تحت بند السرية.

حرص محمد علي الحوثي، الرجل المعضلة في الجماعة الذي تنقل من رئاسة لجنته الثورية إلى عضوية المجلس السياسي إلى مجلس الشورى، على حضور مراسيم التوقيع، لأنه أعلن منذ عدة أشهر مطالبته للمنظمات الدولية بتوزيع المساعدات نقداً بدلاً من توزيع مساعدات عينية للمستفيدين، وأراد أن يعلن تحقيق مطالبه ومطالب جماعته باسمه وصفته كانتصار شخصي على الأمم المتحدة بعد تعليق مساعداتها عبر برنامج الغذاء في بعض مناطق الجماعة بعد الكشف عن ممارسات فساد غير مسبوقة بالتنسيق بين تلك المنظمات وجماعة الحوثيين، وهذا ما حدث فعلاً، وشكل أيضاً صفعة لشرعية هادي وحكومته.

في كل الأحوال، فإن توقيع منظمة أممية اتفاقاً مع مؤسسة خاصة بالحوثيين، ولا تعد مؤسسة قانونية تحت أي جهاز حكومي حتى لو كان تحت سيطرة جماعة الحوثيين نفسها، يعد اعترافاً وشرعنة لممارسات الحوثيين في مناطق سيطرتهم، وتغطية على فضائح مدوية من الفساد مارستها تلك المنظمات بالتنسيق مع الحوثيين الذين يتهمونها ليلاً ونهاراً بأنها تعمل ضدهم، ومع هذا فإن حكومة معين عبدالملك وسلطات هادي كانت مشغولة بتغطية تداعيات الأفعال المفتعلة في عدن للتغطية على قصف معسكر الجلاء، لدرجة أنها لم تجد وقتاً لصياغة مذكرة احتجاج، أو تعلن تذمرها وعويلها الفارغ كالعادة.

منع الحوثيون، قبل أشهر، موظفين أمميين في منظمة الصحة العالمية من مغادرة مطار صنعاء بأجهزتهم المحمولة التي تحتوي أدلة دامغة على ممارسات فساد أممية مع الحوثيين، وصمتت الأمم المتحدة صمت القبور، ولم تقم حتى بإعلان الحادثة للرأي العام، ذلك أنها متورطة حتى أخمص قدميها في تلك الفضائح.

استخدم الحوثيون سيارات اليونيسيف لتنقل قادتهم حماية لهم من قصف التحالف، وفرضوا عشرات الوظائف على المنظمات الأممية لأتباعهم بمرتبات كبيرة، دون أن تقوم هذه المنظمات حتى بمجرد تسريب معلومات أو كشف حقائق، ناهيك عن اعتراضها أو إصدار بيان احتجاج.

كان مارتن جريفيث، قبل أشهر ونتيجة لضغوطات بريطانية لوقف المعركة في الحديدة، قد أصبح يتعامل مع الحوثيين كأصدقاء يحرص على تقديم الشكر لهم على تعاونهم في إنجاز وتنفيذ اتفاق استوكهولم الذي منحهم حصانة ضد هجمات التحالف والقوات اليمنية المناهضة لهم في الساحل الغربي دون مقابل.

وفقاً لهذه المعطيات وغيرها كثير، بما لا يمكن رصده في مادة صحفية، فإن جماعة الحوثيين رسمياً تحظى برعاية أممية رفيعة المستوى، وبالتالي فإنها تمارس كل ما تريده ضد اليمنيين دون أن تخشى مجرد بيان أممي يجرم تصرفاتها.

بعد ساعات من توقيع الاتفاق بين برنامج الغذاء وهيئة الطاووس، كان عبدالملك الحوثي يطل من شاشة عملاقة على مجموعة من الكومبارس الذين حضروا حفل اختتام المراكز الصيفية في جامع الصالح وعلى رأسهم أستاذ دكتور في علم الإدارة يحمل صفة رئيس حكومة الإنقاذ واسمه عبدالعزيز بن حبتور.

ظهر مئات الأطفال في المشهد، وقد علت رؤوسهم البريئة ربطات باللون الأخضر لجماعة الموت، كمن يعلن نجاحه في مسخ هوية أطفال اليمن بنجاح، ولم تقم أية منظمة أممية خاصة اليونيسيف بأي رد فعل تجاه ما يعتبر فرض أفكار ومعتقدات بالإكراه من قبل جماعة مسلحة.

وفي نفس الوقت أيضاً وكأنَّ هناك من يلاحق الحوثيين بعصا غليظة لتكثيف مشهد سطوة وسوء وفساد وبشاعة وعنف جماعتهم، وإقصائها لكل ما سواها من المشهد العام، كان المجلس السياسي الأعلى يمنح مهدي المشاط مدير مكتب عبدالملك الحوثي السابق تمديداً لفترة رئاسته للمجلس لمدة ثلاث فترات كاملة، بينما ظل ممثلو حزب المؤتمر يمارسون دور عادل إمام في فيلم "زوج تحت الطلب"، وهم يعلمون أن شراكتهم مع الجماعة أصبحت من الماضي البعيد، وأنهم مجرد مقهورين يقدمون للجماعة خدمة جليلة بقبولهم الإبقاء على الشراكة معها، حتى تحت الضغط والإكراه.

عندما يزور المبعوث الأممي صنعاء للمرة القادمة قد يلتقي الطاووس والمشاط، ويتفق مع عبدالملك عبر الشاشة، ويرفع شكره للجماعة لأنها تسهل مهمته وتدفع لتمديدها، وفي كل الأحوال لن يعترض ولن يشير مجرد إشارة إلى ممارساتها القمعية ومعتقلاتها، وتعذيبها لمناهضيها، ولن يتذكر بالمطلق أن هناك شركاء للجماعة في السلطة تحت لافتة المؤتمر الشعبي العام، بل ولن يمر ذكر هادي وحكومته على لسانه، فهم مجرد آلة تذمر من الآخرين، لا ينجزون شيئاً على الأرض غير الأرصدة البنكية، ولن يشغلوه عن مهمته المقدسة بتمكين الحوثي على الأرض بشكل أعمق وأبعد في كل زيارة وكل تقرير، وكل فضيحة.

المثير في الأمر أن الحوثي سيظهر ليعلن أن الله وعده بالتمكين، كما أجبر الأطفال ذوي الربطات الخضراء في جامع الصالح أن يتلوه من آيات، لكنه لن يقول ولو مرة واحدة أن الوعد بالتمكين تلقاه من الأمم المتحدة وأمريكا وبريطانيا، ولن يقولوا هم ذلك، لأن المهمة تقتضي الحبطة الأسطورية والعباية الدينية المقدسة لتقديس الشيطان.