قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (8)
المخا تهامة - Tuesday 13 August 2019 الساعة 11:05 pmالاتجاهات العامة لاكتشاف القهوة
العلامة محمد بن سعيد الذبحاني
وما زلنا نبحث عن مكتشف القهوة..
لمتابعة الحلقات السابقة :
قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (1)
قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (2)
قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (3)
قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (4)
قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (5)
قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (6)
قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (7)
ذكر الشيخ شهاب الدين أحمد بن موسى بن عبد الغفار المالكي المصري في (رسالة عن القهوة) والمؤرخ عبدالقادر بن محمد الجزيري الانصاري في (عمدة الصفوة في حل القهوة) والعلامة مدين بن عبد الرحمن الطبيب في رسالته المخطوطة (تلخيص عمدة الصفوة في حل القهوة) وجميعهم تتبعوا اكتشاف القهوة فتوصلوا إلى أن مبدأ اكتشاف القهوة ومكتشفها هو العلامة المفتي الصوفي جمال الدين أبي عبدالله محمد بن سعيد المعروف بالذبحاني، فقد: "بلغنا أن ظهورها وانتشارها فيه كان على يد المشهور بالعلم والولاية الشيخ الإمام العالم العلامة المفتي المسلك جمال الدين أبي عبدالله محمد بن سعيد المعروف بالذبحاني -بفتح الذال المعجمة وسكون الموحدة وفتح المهملة وبعد ألفه نون مكسورة– نسبة إلى ذبحان بلدة معروفة باليمن، وسمعنا أنه، رحمه الله، كان متولياً بوظيفة تصحيح الفتاوى بعدن، وهي وظيفة كانت بها إذ ذاك تعرض على صاحبها الفتاوى، فيُقر ما يراه صواباً ويكتب تحتها (صح) بخطه، وينبه على ما يرى إصلاحه... وسبب إظهاره لها ما سمعناه أيضاً أنه، رحمه الله، كان عرض له أمر اقتضى له الخروج من عدن إلى بر عجم [شرق إفريقيا]، فأقام به مدة، فوجد أهله يستعملون القهوة، ولم يعلم لها خاصية، ثم عرض له لما رجع إلى عدن، مرض فتذكرها فشربها فنفعته فيه، ووجد فيها من الخواص أنها تذهب النعاس والكسل، ويوّرث البدن خفة ونشاطاً، فلما سلك طريق التصوف صار هو وغيره من الصوفية بعدن يستعينون بشربها... ثم تتابع الناس بعدن والفقهاء والعوام على شربها للاستعانة بها على مطالعة العلم وغير ذلك من الحرف والصناعات".
تابع ابن عبد الغفار المالكي طرقه لموضوع القهوة، وبحثه عن أصل اكتشافها ومكتشفها فقال: "ثم إني كتبت لبعض إخواننا في الله تعالى من أهل الدين والعلم بزبيد، وهو الفقيه الأجل جمال الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العالم العلامة عبد الغفار باعلوي، وهو من بيت كبير بزبيد مشهور أهله بالعلم والدين أن يبحث لي عمن شربها باليمن ممن يعتد به من أهل العلم والدين وعن أول حدوثها فيه، فكان مما كتبه إليّ في الجواب ما صورته: "وما ذكره لي سيدي –حفظه الله تعالى– من البحث عمن شربها من أهل اليمن فسأل المملوك جماعة من المعمرين ببلدنا وأسنهم الآن عمّ المملوك الفقيه العالم الصالح وجيه الدين عبدالرحمن بن إبراهيم العلوي فإنه الآن قد زاد على التسعين فأخبرني – حفظه الله وأبقاه- عن بدء أمر القهوة وذلك أنه قال: كنت بمدينة عدن فوصل إلينا بعض الفقراء السالكين وكان يعمل القهوة ويشربها، وأنه كان يعمل للشيخ العلامة خاتمة العلماء بثغر عدن الفقيه محمد المعروف بافضل الحضرمي الشّيخ العارف بالله ذي الأحوال السنية محمّد الذبحاني ويشربانها بمحضر من الناس كفى بهما حجة في ذلك... فيحتمل أن يكون الذبحاني أول من أدخلها عدن كما هو المشهور ويحتمل أن يكون من أدخلها غيره...".
ففي النص احتمالية أنه أول من أدخل القهوة إلى عدن فقط ويحتمل غيره وعدم القطع بذلك لكن الإجابة على سؤال: من هو مكتشف القهوة؟ هو ما لم يرد بصراحة.
نقل الجزيري عن فخر الدين أبو بكر بن أبي يزيد المكي في رسالته عن القهوة (إثارة النخوة بحل القهوة) ما لفظه: "قيل وأول من أنشأها الشيخ الصالح المسلك أبو عبدالله محمد بن سعيد الذبحاني... وأنها كانت قبل –أي القهوة– من الكفتة أعني الورق المسمى بالقات لا من البن ولا من قشره فما زالت تنتقل من بلد إلى آخر حتى وصلت إلى ثغر عدن المحروس فعدمت الكفتة من عدن في زمن سيدنا الشيخ محمد بن سعيد الذبحاني... وقال لمن يلوذ به وينتمي إليه إن البن يسهر فامتحنوا بنا قهوته، فامتحنوها فوجدوها تعمل عمله مع قلة الثمن والمؤنة ثم استمر شربها من منشئها".
وأورد مؤرخ القرن التاسع الهجري محمد بن عبد الرحمن السخاوي (831 – 902هـ / 1427 - 1496م) سيرته في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) فقال عنه: "محمد بن سعيد بن أحمد الجمال الذبحاني المذحجي اليماني العدني، من صلحاء اليمن هو وأبوه، كان صوفياً مباركاً، تفقه في بدايته واشتعل واجتهد ودرس قليلاً، ثم تصوف وغلب عليه التصوف وطالع كتبه وعمل السماع، وكان منجمعاً قليل الخلطة لا يخرج إلا للجمعة أو لدعوة، كثير الأنس بالغرباء والاستفادة منهم، وللعامة فيه اعتقاد كبير، واقتنى كتباً كثيرة وكتب رسائل في التصوف غير سالمة من الخلل اللفظي، ولا يقبل ممن يرشده إلى الصواب، بل يتكلف لتوجيه ما يبديه، مات في جمادى الأولى سنة خمس وسبعين."، وذكر السخاوي ترجمة لوالده سعيد الذبحاني فقال: "سعيد بن أحمد سابق الدين المذحجي الذبحاني اليماني العدني والد عبد الله ومحمد الآتيين، وذبحان بضم المعجمة ثم موحدة ساكنة بعدها حاء مهملة وآخره نون، قرية قريبة من حصن الدملوه، إحدى قلاع اليمن، تفقه بالجمال الخياط وطبقته بتعز واشتعل بزبيد أيضاً، وحضر مجالس ابن المقري، وسمع على ابن الجزري أشياء من تصانيفه وغيرها، وقدم بعد الأربعين إلى عدن فاستوطنها، واقتنى كتباً نفيسة، وكان ضنيناً بها، وكذا استولى على عدة خزائن فأعدمها، ولم يكن بالمحمود مع إقباله على التصوف والمباحثة فيه والتكلف لذلك إلى أن مات عن سن في أواخر رجب سنة سبع وثمانين؛ وكان إليه تدريس الحديث بالظاهرية بعدن".
وبالعودة إلى كتب التراجم اليمنية يؤكد الكاتب خلوها من ذكر شخصية محمد بن سعيد الذبحاني ووالده عدا ترجمة قصيرة في كتاب (طبقات صلحاء اليمن) للمؤرخ عبدالوهاب بن عبدالرحمن السكسكي البريهي، والذي قال عنه وعن والده ما يلي: "ومنهم الفقيه بدر الدين سعيد بن أحمد الذبحاني، هو إمام فاضل مجود، مجتهد بطلب العلوم، يتعاطى الفتوى، وقد طعن في السن، ونشأ له ولد يسمى محمد، نجب فأعجب حتى قيل: إنه أدرك من نخب العلوم ما لم يدركه أبوه لجودة فهمه وعلو همته، وهو منقطع في طلب العلم والتدريس، وله فيه دربة يعجب منها السامع، وهو في أول عشر الثلاثين وقد يتكلم في علم الحقيقة ولكنه قد يأتي بدعوات من التمكن ما لا يصادق عليه وهما في قيد الحياة عند جمع هذا المجموع".
لكن السخاوي الذي لم يذكر أن الفقيه محمد بن سعيد الذبحاني اكتشف القهوة أو رحل إلى الحبشة أو تولى القضاء، ونفس الكلام يقال على المصدر اليمني الوحيد الذي ترجم له وهو طبقات البريهي، فيؤكد الكاتب أن البن والقهوة كانا موجودين في حياة محمد بن سعيد الذبحاني وقبله في مطلع القرن التاسع الهجري، والدليل أن مسألة حل القهوة أو حرمته كانت مثارة قبل مولد محمد بن سعيد الذبحاني - ذكر البريهي أن محمد بن سعيد الذبحاني كان عمره عند تصنيف طبقات صلحاء اليمن قد ناهز الثلاثين عاماً، وانتهي البريهي من تصنيف الطبقات في 875 هـ أي في السنة التي توفي فيها محمد بن سعيد - ومجيء والده إلى عدن بعد سنة 842هـ / 1438م، وكان قاضي عدن "في أكثر الأوقات" الفقيه محمد بن سعيد بن كبن بن علي الطبري المتوفى سنة 842 هـ/ 1438م، قد كتب رسالته الشهيرة في تحليل شرب القهوة كما ذكر القطب الصوفي العلامة اليماني عبدالرحمن بن محمد بن أحمد العيدروس في مخطوطته (إيناس الصفوة بأنفاس القهوة)، فكيف يستساغ أن يقال إنه مكتشف القهوة وهي موجودة أصلاً قبل أن يوجد العلامة محمد بن سعيد الذبحاني؟
يعتقد الكاتب أن ابن عبدالغفار المالكي والجزيري حدث لديهما لبس في الأسماء بسبب بُعد المكان وقلة معرفتهما باليمن وعلمائها فقصدا الفقيه محمد بن سعيد بن كبن بن علي الطبري والذي تولى القضاء بعدن لأكثر من أربعين سنة كما ذكر العلامة المحدث شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في كتابه (إنباء الغمر بأبناء العمر)، ودخل الحبشة وأجاد اللغة الحبشية المؤرخ اليمني أبو محمد الطيب بن عبدالله بن أحمد بامخرمه في كتابه (قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر) وكان معتقداً لدى العامة كما ذكر السخاوي في ترجمته، والذي أحلّ شرب القهوة وأيدها ولكنه لم يكتشفها.
فإذن، من هو مكتشف القهوة..؟