قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (5)

المخا تهامة - Saturday 03 August 2019 الساعة 10:07 pm
نيوزيمن، كتب/ أ.د عبدالودود مقشر

الاتجاهات العامة لنشأة القهوة: 
الاتجاه الميثولوجي (الأسطوري) (1)

لمتابعة الحلقات السابقة :

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (1)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (2)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (3)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (4)

يقوم هذا الاتجاه على أساس أن القهوة موجودة قبل القرن التاسع الهجري / الرابع عشر الميلادي، بل ويذهب مذاهب في نشأته موغلة في القدم من غير أدلة تاريخية صريحة أو شواهد تؤكد ما بنت عليه اتجاهها، وتتعدد رؤاه في ذلك على النحو التالي:

بدء الخليقة

يؤمن أصحاب هذا الرأي أن: "البن شجرة في الجنة غرسها سبعون ألف ملك تسمى شجرة السلوان، فلما أهبط الله آدم، هبط بها معه من الجنة للسلوان عما كان عليه من النعيم المقيم ورماها في هذه الأرض، وهي أرض زيلع والحبشة.."، وورد هذا الرأي عند العلامة علي بن محمد الاجهوري في (مقدمة في فضل البن)، مخطوطة في دار الكتب المصرية ضمن مجموع يحمل رقم 73 مجاميع، ورقة 49. وعند العلامة علي بن عطية بن الحسن علوان الحموي في (السر المكنون في مدح البون)، مخطوطة في دار الكتب المصرية أيضاً برقم 734 علوم طبيعية ورقة 3.

وذكر العلامة سليمان بن يوسف بن عمر البسيوني المزني في منظومته المخطوطة المعنونة بـ(تحفة الإخوان في استعمال القهوة والدخان) لدى الكاتب ومؤرخاً وجودها:

بأن أصلها مـن الجنـــــان تسمى لديهم شجرة السلوان
قد أهبطت مع آدم لما نزل فهكذا شـيخ مشايـخـي نقــل
غرسها سبعون ألف ملك كما رُوي عن الجنيد وحكى
عن غيره من جملة الحفاظ فكن إلى المروي ذا أيـقاظ

نقل المؤرخ اليمني يحيى بن الحسين بن القاسم في كتابه (المستخرجات البينات على تحليل الأشياء المستعملات من القهوة والطباق والقات) معززاً هذا الرأي فقال إنه: "وجد عن الشيخ محمد بن سعد الدين الجبرتي.
قال: سألت الشيخ محمد أبا الحسن الشاذلي: هل لها أصل قديم؟
قال: نعم. 
قلت: كيف الدليل لذلك؟
قال الشيخ: وجدنا في الكتب القديمة بالأسانيد عن الرواة أنهم قالوا: إن الله سبحانه لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض بعرفات في بطن الوادي المسمى بنعمان، أمر الله آدم أن يحرث في الأرض ويزرع، فحرث وزرع مدة من الزمان، فأصابه في بعض الأيام مرض نزل به، فهبط الأمين جبريل عليه السلام فأعطاه طعمة من البن مقلية، وقال له: يا آدم كل هذه فإنه شفاء لوجع الرأس فأكله فأبرأه الله في وقته".

نبي الله داوود عليه السلام

يعتقد جانب من الكتاب "أن داوود النبي عليه السلام هو أول من وقف على خواصها، وربّ زاعم روى أنها أقدم منه عهداً" حسب ما ذكر الكاتب بطرس كيك في دراسة له بعنوان (شذرات في أصل القهوة) ونشرها بمجلة المشرق البيروتية السنة السادسة 1903 العدد 15.

وبعض هؤلاء الكتاب، وخاصة النصارى، يشيرون إلى أن القهوة وردت في الكتاب المقدس، ففي الإصحاح السابع عشر من سفر صموئيل الثاني والتي تقول: "قَدَّمُوا فَرْشًا وَطُسُوسًا وَآنِيَةَ خَزَفٍ وَحِنْطَةً وَشَعِيرًا وَدَقِيقًا وَفَرِيكًا وَفُولاً وَعَدَسًا وَحِمِّصًا مَشْوِيًّا"، فالحمص المشوي في تفاسير الكتاب المقدس للعهد القديم هو القهوة التي نزلت في عهد داوود عليه السلام.

نبي الله سليمان بن داوود عليهما السلام

تبنى هذا الرأي الكثير ممن أرخ لظهور البن والقهوة وحاولوا إيجاد بعد تاريخي لتواجدها منذ القدم، فيقول المؤرخ عبدالحي بن أحمد بن محمد العكري الشهير بابن العماد الحنبلي (1032- 1089هـ/ 1623- 1678م) في كتابه (شذرات الذهب في أخبار من ذهب): "إن ابتداء ظهورها كان في زمن سليمان بن داوود عليهما الصلاة والسلام... فكان سليمان صلى الله عليه وسلم إذا أراد سيراً إلى مكان ركب البساط هو ومن أحب من جماعته وظلتهم الطير وحملتهم الريح، فإذا نزل مدينة خرج إليه أهلها طاعةً له وتبركاً به، فنزل يوماً مدينةً فلم يخرج إليه أحد من أهلها، فأرسل وزيره على الجن الدمرياط، فرأى أهل المدينة يبكون.
قال: ما يبكيكم؟
قالوا: نزل بنا نبي الله وملك الأرض، ولم نخرج إلى لقائه. 
قال: ما منعكم من ذلك؟
قالوا: لأن بنا جميعاً الداء الكبير، وهو داء من شأنه أن يتطير منه، وتنفر منه الطباع خوف العدوى.
فرجع وأخبر سليمان بذلك فدعا ابن خالته آصف بن برخيا، الله تعالى باسمه الأعظم أن يعلم سليمان ما يكون سبباً لبرئهم من ذلك، فنزل جبريل على سليمان، وأمره أن يأمر الجن أن تأتيه بثمر البن من بلاد اليمن، وأن يحرقه ويطبخه بالماء ويسقيهم، ففعل ذلك، فشفاهم الله تعالى جميعاً".

أيدّ شيخ الإسلام محمد بن محمد الخليلي هذه الرواية ونقل رواية مشابهة لما سبق فقال: "أما القهوة المستعملة الآن فهي حادثة بالنسبة إلى هذا الزمان وقديمة بالنسبة إلى زمن وجودها لما حكي أن سليمان بن داوود عليهما الصلاة والسلام كان إذا أتى إلى بلد خرج إليه أهله يتبركون به ويحضرون عنده العلماء والصلحاء وأهل الحاجات منهم فيقضي حوائجهم، فمر يوماً على عدن، بلد باليمن، فلم يقابله أهلها، فسأل عنهم، فأخبر أن أهلها بهم أمراض شديدة شتى، ومنها حب الإفرنج وهو أعظمها وكل منهم يستحي أن يقابلك وهو على تلك الحالة، فاتفق أن جبريل عليه السلام نزل عليه في ذلك الوقت فسأله عن دواء لهم يحصل لهم به الشفاء، فأخبره عن البن أنهم إذا استعملوا قشره مطبوخاً بالبهارات أو حبه مقلي بالنار مخلوطاً بسمن البقر عافاهم الله تعالى وشفاهم من أمراضهم، ففعلوا فشفاهم الله تعالى وصاروا يزرعونه من ذلك الوقت في بلادهم، وهو مستمر إلى هذه الأيام".

للمزيد: محمد بن محمد شرف الدين الخليلي، فتاوى شيخ الإسلام والمسلمين العالم العامل الشيخ محمد الخليلي الشافعي، مطبعة محمد شاهين بالمحروسة القاهرة سنة 1284هـ / 1867م، جـ 2، صـ 297.

قدم المؤرخ اليمني يحيى بن الحسين بن القاسم رواية أخرى فيقول عن نشأة شجرة البن باليمن، مؤيداً رأي من قال إنها من زمن نبي الله سليمان: "إن سليمان عليه السلام لما نزل بوادي سبأ باليمن، جاء أهل اليمن يشكون إليه. ويقولون: يا نبي الله، يا سليمان، إن أولادنا خطفتهم الجان من المضاجع، ولم نعلم ما السبب في ذلك؟
فقال سليمان لوزيره آصف بن برخيا: صف كيف الخبر فيما سمعت من هؤلاء المساكين.
قال آصف: قل لهم يأخذون غصون البن ويعقدون بها على أطفالهم، فإنها حرز من الشياطين، ففعلوا فحفظهم الله تعالى من ذلك".