قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (11)

المخا تهامة - Sunday 25 August 2019 الساعة 10:46 pm
نيوزيمن، كتب/ أ.د عبدالودود مقشر:

الاتجاهات العامة لاكتشاف القهوة 
مكتشف القهوة الشيخ علي بن عمر الشاذلي (2)


أجمعت الآراء على مر العصور على أن مخترع ومكتشف القهوة هو الشيخ علي بن عمر الشاذلي، منذ الكتابات الأولى التي أرخت للقهوة حتى الآن، فقال الجزيري نقلاً عن فخر الدين أبو بكر بن أبي يزيد المكي من كتابه (إثارة النخوة بحل القهوة): "والذي بلغنا عن جمع يبلغ حدّ التواتر أن أول من أنشأها وأظهرها وبأرض اليمن أشاعها وأشهرها الشيخ العارف بالله تعالى علي بن عمر الشاذلي، أحد تلامذة سيدنا الشيخ العارف بالله تعالى ناصر الدين بن ميلق أحد السادة المشايخ الشاذلية".

ثم ذكر الشيخ عبد القادر بن شيخ العيدروس في (صفوة الصفوة في بيان حكم القهوة) ما يلي: "وهو –أي الشيخ علي بن عمر الشاذلي– أول من أظهر القهوة فنسبت اليه، واشتهرت به اشتهاراً عظيماً... وحكي عنه أنه: عاد هذه القهوة تبلغ من المشرق إلى المغرب [عاد وعادهم من كلمات اللهجة اليمنية بمعنى سيصبح وسيكون]، فكان كذلك، وشاعت في أكثر البلدان حتى وصلت إلى الأقطار البعيدة والأمصار النائية، وكان الناس قبل اتخاذه لها إنما يستعملون لب القشر وهو البن ويرمون القشر على المزابل ولا يحتفلون به، فقال الشيخ: عادهم يحملون القشر إلى أطراف البلاد وتسير به القوافل على أكتاف الرجال ويعز بين الناس وتغلى قيمته وتزيد بزته حتى يباع بالذهب والورق، فكان كذلك".

وذكر المرتضى الزبيدي في رسالته (تحفة إخوان الزمن في حكم قهوة اليمن): "وأجمعوا على أن أول من نشر صيتها القطب الكامل سيدي أبو الحسن علي بن عمر القرشي الشافعي الشاذلي...، فأظهر منافعها، وبيّن خواصها، وحثّ تلامذته على شربها في مجلس الأذكار والعبادات، فوجدوا فيها منافع غريبة، وخواص عجيبة، فصنفوا فيها الكتب...".

فكيف اكتشف الشيخ علي بن عمر الشاذلي القهوة..؟

ولكن كيفية اكتشافه لها ظل هو السؤال، فالرحالة علي صدر الدين المعروف بابن معصوم تـ(1120هـ) في القرن الحادي عشر الهجري / السابع عشر الميلادي قدم الرواية التالية عن رحلته إلى المخا في رحلته المعروفة بـ(رحلة ابن معصوم المدني أو سلوة الغريب وأسوة الأريب) فقال: "والإجماع على أنه الذي أظهر القهوة المتعارفة في هذا الزمان، التي طبّقت شهرتها العالم... قيل: وسبب اهتدائه إليها أنه كانت له لقحة –الناقة الحلوب الغزيرة اللبن– يسرّحها كل يوم للراعي، وكانت ترعى ثمرة هذه الشجرة، فاستطاب لبنها طعماً وخاصية، فتبعها يوماً فرآها ترعى هذه الثمرة فجنى منها شيئاً وقلاه واستعمله، فأحدث في نفسه نشاطاً وأريحية، فواظب على استعماله، ثم طبخه فرآه أجدى من استعماله مقلياً، فلم يزل الأمر يزيد حتى بلغ هذه الشهرة".

في حين ذكرت (دائرة المعارف الإسلامية) عن الرحالة العثماني التركي أوليا چلبي – ويسمى ايضاً حاجي خليفة - (1017 – 1067هـ / 1609 – 1657م) أنه ساق رواية أخرى فقالت: "الأسطورة التي قدمها لنا حاجي خليفة تعطينا شخصيتين هما علي بن عمر، وهذا علي هو من أتباع مؤسس الطريقة الشاذلية الشيخ أبو الحسن علي بن عبدالله المتوفى سنة 656 هـ / 1258م ومريده هذا أيضا –علي بن عمر– هو وليُّ المخا، والأخير هو الذي أمره أن يستوطن بها، فامتثل أمر شيخه الذي ظهر له بعد وفاته وتشييع جثمانه واستقر بالمكان بعد أن أمره شيخه بالقدوم إلى المخا، فقام بذلك خير قيام وتحمل عبء تأسيس المدينة وشاركته في ذلك زوجته ابنة ملك –ملك الحبشة- التي تعبت ومرضت وكادت تموت، فرحل إلى داخل البلاد بحثاً عن دواء لها، واستقر بجبال أصاب (وصاب شرق زبيد) فغادر هو وأتباعه الذين تبعوه في غربته أيضاً، وقيل إنه جرب واختبر معهم شرب القهوة المصنوعة من حبات البن الذي في الاخير صنعه بالغلي بالنار واستخلاص القهوة منه، وشفيت زوجته، ثم كان أغلب زواره قد تم شفاؤهم من الجرب / الحكة ذاك الوباء المنتشر في المخا وذلك من خلال شرب القهوة، وعلى هذا حصل الشيخ علي بن عمر الشاذلي على لقب حامي المخا ووليها ورجلها النبيل الأول". 
KAHWA ,THE ENCYCLOPAEDIA OF ISLAM. VOLUME IV, Pp. 450 – 451.

برجوع الكاتب إلى المصدر العثماني كاتب چلبي في كتابه وصف العالم (جهاننما) المطبوع بدار الطباعة العامرة- قسطنطنية سنة 1145هـ - 1732م، صـ 535 نسخة مطبوعة طباعة حجر موجودة بمكتبة اتاتورك – اسطنبول لدى الكاتب صورة منها، نجد الرواية منقولة عن الكتابات العربية ولكن بشكل موسع دون النظر إلى تاريخية وفاة الشيخ أبو الحسن الشاذلي الذي توفي في 656هـ / 1258م في حين كانت وفاة الشيخ علي بن عمر الشاذلي في 828هـ/ 1424م.

والرواية العربية التي أوردها مؤرخ اليمن في نفس الفترة – القرن 11هـ - يحيى بن الحسين بن القاسم والذي أورد ما يلي: "قال الشيخ عز الدين القرشي المقبور ببندر المخا المنسوب إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي قال: خدمت أبا الحسن الشاذلي ثلاثين سنة، فلم أره نائماً ليلة من الليالي كان نهارها صائماً وليلها قائماً، وكان كثير المرض، شديد الخوف، فإذا رأيته تقول هذه الساعة طلع من القبور، قال علي بن عمر الشاذلي: جئت مع الشيخ في خدمته إلى جزيرة من جزائر الحبشة، فقال لي: يا علي نقيم بهذه الجزيرة، ونبني بها بيتاً وأنا وإياك سواء، فكثر علينا المطر فبنى بيتاً، فكانت تأتي إلينا بعض رجال الحبشة. ويقولون: يا شيخ إن عندنا شجرة، حملها كبعر الغنم، إذا طبخناها وشربناها؛ تعيننا على قيام الليل، فهل لك يا شيخ منها بشيء؟
قال: نعم. 
فجاؤوا إليه بشيء منها، فطبخ الشيخ وشرب منها، فرآها عظيماً فقال لي: يا علي هذه اسمها القهوة، لأن تسميتها مجرد ومجوفة، ومن عادة المجوف فيه سر عظيم، ثم بعد ذلك رجع الشيخ إلى المغرب لبلده، وأخذ عنه القهوة الشيخ علي بن عمر القرشي المدفون ببندر المخا وهذه الجزيرة تسمى جزيرة سواكن الشاذلي".

أوردت الكتابات الصوفية الحضرمية رواية ترتبط بنمط التصوف الحضرمي، ومنها كتاب (تذكير الناس بما وجد من المسائل الفقهية وما تعلق بها في مجموع كلام سيدنا الحبيب... أحمد بن حسن بن عبدالله العطاس)، للعلامة أبي بكر العطاس بن عبدالله بن علوي بن زين الحبشي. وكتاب (تاج الأعراس على مناقب الحبيب القطب صالح بن عبدالله العطاس) للعلامة علي بن حسين بن محمد بن جسين بن جعفر العطاس، وكلاهما طبعة اندونيسيا فتقول روايتهما: "إن الشيخ علي بن عمر الشاذلي صاحب المخا تولى القطابة (القطبية) وكثرت في وقته أذية الجن للإنس، فشكا ذلك إلى الخضر عليه السلام وقال لِمَ لم تحصل هذه الأذية إلا في نوبتي؟ فقال له الخضر: نأتيك بعودين من شجر البن من أرض الحبش تغرسهما تحت الميزاب الذي تتوضأ فيه، فأتى بهما الخضر وغرسهما الشيخ، فلما أثمر أخذوا عودي ثمرهما، وطبخوه في القدور، وشربوه، فرفع الله عنهم أذية الجن، وبعد ذلك أخذوا عودي الشجرة المذكورة وغرسوهما بالجبل المشهور بالعدين ونسبوا إليه البن، وحذفت العامة الواو وأصل العدين العودين.".

وذكر الرحالة المغربي أبو سالم عبدالله بن محمد العياشي في (الرحلة العياشية): "أن أول من أحدثها -القهوة- وأخرجها من أرض اليمن الشيخ الولي الصالح المتفق على ولايته سيدي علي بن عمر الشاذلي اليمني، وأمر أصحابه بشربها ليستعينوا بذلك على السهر في العبادة، ثم لم يزل أمرها يفشو شيئاً فشيئاً، ومن بلد إلى بلد، إلى أن آل ما آل بحيث عممت البلاد المشرقية وكثيراً من المغربية".

لمتابعة الحلقات السابقة :

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (1)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (2)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (3)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (4)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (5)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (6)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (7)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (8)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (9)

قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (10)