عشق زبيد والتقط 3 آلاف صورة.. طبيب سويدي: قوى أجنبية تجعل اليمن مسرحاً لأفكارها وأجندتها

السياسية - Sunday 27 December 2020 الساعة 10:40 am
نيوزيمن، فاروق ثابت:

بينما بدأ ذلك الشاب السويدي المتخرج من كلية الطب، في إحدى جامعات "استوكهولهم" يقدم خدماته كطبيب، كانت هناك أمراض مزرية قد تخلصت منها معظم الدول وما تزال تنهش في أجساد البسطاء دون منقذ في بلد بعيد آخر العالم.

الصدفة وحدها هي من أخذت الطبيب السويدي "بيورن وينجرين" من "استكهولم" إلى زبيد ثم حُبّه للعمل في تطبيب وإنقاذ أرواح البسطاء في الدول الفقيرة.

من أبراج الزجاج العصرية إلى قصور التراب التاريخية انتقل "بيورن" إلى عالم جديد أضاف معه مستجدات إلى سيرته الذاتية المشبعة بالإنسانية والذكرى وقصص حبٍ لا تنتهي.

تحدث "وينجرين" لنيوزيمن باللغة الانجليزية قائلا: بعد انتهائي من الدراسة بفترة وجيزة سمعت بالصدفة أن (منظمة إنقاذ الطفولة السويدية) بحاجة ماسة إلى تعيين طبيب في زبيد، لذا فقد تقدمت لنيل هذا المكان، وحزت خلاله على الموافقة ثم عقد عمل ولكن لمدة 4 أشهر فقط في العام 1972، يجب أن أعود بعدها إلى السويد للعمل في مستشفى سويدي، ثم أعود إلى اليمن مرة أخرى مدة عامين، فعدت وعملت خلال العامين في مستشفى بتعز وفي عيادة بزبيد". 

وتابع: بعد أن أمضيت الفترة المحددة في العقد الثاني للعمل في اليمن، طلبت مني منظمة إنقاذ الطفولة النرويجية الذهاب إلى اليمن والتحضير لإنشاء عيادة لمدة شهر فأنجزت ذلك، ثم بعد عامين آخرين تم التعاقد معي للعمل كطبيب في اليمن وبالتحديد في محافظة إب -وسط اليمن- فعملت فيها لمدة عامين خلال الفترة (1978-1980).

ورغم انتهاء العمل للطبيب السويدي في اليمن الاّ أن عقله وقلبه ما يزالان معلقين باليمن، هناك حيث مرضاه وأصدقاؤه ومعاريفه الذين كوّن معهم "بيورن" علاقات صداقة وطيدة لا تنسى، وفي بلد مليئ بالجمال والسحر، طبيعة وبناء ومعمار وحضارة وتاريخاً، لذا فقد عاد "وينجرين" اليمن مرة أخرى ولمرتين متتاليتين في كل من 1983 و1987م، ولكن كسائح وليس كطبيب.

يقول: ”زرت العديد من بلدان العالم، في إفريقيا وآسيا ولمدة 25 عاماً، لكن تجربتي في اليمن كانت مذهلة، التقيت باليمنيين وعرفتهم عن قرب، شاهدت المناظر الطبيعية الخلابة، الصحراء، والجبال الشاهقة، والمدرجات الساحرة، ثم المدن التاريخية اليمنية التي بنيت بعبقرية مذهلة، وبصورة مكنتني من رؤية كل ألوان البناء اليمني القديم حيث تنقلت في العديد من المحافظات اليمنية.

لم يدع الطبيب السويدي مكاناً في اليمن إلا وقام بتوثيقه بالضوء، وكان الطبيب والفنان الفوتوغرافي معاً، كل لقطة من عدسته تحكي قصة حب لا تنتهي. 

يقول: إذا كنت مهتماً بالتصوير فقد أتيت إلى مكانك الصحيح.

ويضيف: أفضل شيء بالنسبة لي هو مقابلة الناس، معظم اليمنيين طيبون بالفطرة، وكريمون جداً، لقد كان لدي أصدقاء كُثر، وما زلت إلى اليوم أتواصل بالعديد منهم رغم مرور أكثر من 40 عاماً على زيارتي اليمن.

وعن محطات عمله في زبيد فإن بيورن يسرد عنها ذكرى ومشاعر وحنينا: "كانت زبيد أول مكان أقمت به وعملت فيه في اليمن، لذا فإن لزبيد مكانة خاصة في قلبي، تلك المدينة ذات الهندسة المعمارية البديعة، والناس البسطاء الأكثر حميمية". 

ويتابع: "أتذكر تجوالي في المدينة والسوق القديم كل مساء بعيداً عن حرارة الجو، كانت الليالي ساحرة، وأنت تسمع مضخات المياه تموسق في الحقول حول زبيد ومن مسافات بعيدة، وكأنها تعزف أوركسترا الإبداع اليمني، الإنسان والتاريخ والأرض". 

ويضيف: "كان لدينا في زبيد عيادة خارجية للبالغين والأطفال، التقيت في العيادة الكثير من المرضى، وعالجت بعض الأمراض التي رأيتها لأول مرة ولم يكن لها وجود في السويد، وقد كان الأمر يستدعي إيجاد حلول جديدة وبأي وسيلة لتفادي نقص المواد والأدوية اللازمة التي كنا نواجهها بعض الأحايين". 

وعن عمله في تعز يقول الطبيب السويدي: "كنا ندير مستشفى للأطفال بسعة 80 سريراً، وكان المستشفى يحوي قسم العيادات الخارجية، ووحدة رعاية صحة الأم والطفل ووحدات التغذية والتطعيم، كان الموظفون مدربين ولديهم خبرة جيدة في العمل". 

خلال وجوده في اليمن، وثق بيورن بالضوء لكل شيء: الإنسان والمدن، والعمارة والحضارة والشجر والحجر والصحراء والوادي.

يقول: “أثناء إقامتي في اليمن التقطت بكاميرتي نحو 3 الآف صورة وذلك في الفترة من (1973-1983) ووضعت هذه الصور في غرفة تخزين بمنزلي في السويد، ونظراً لانشغالي في العمل خارج بلدي وتنقلاتي في دول عدة في آسيا وإفريقيا، تركت الصور في ذلك المخزن نحو 20 عاماً واعتقدت أنها قد تعرضت للتلف بعد كل هذه الفترة، وعندما عدت العام الماضي وجدت معظم الصور ما تزال سليمة رغم الرطوبة والحرارة والضوء الذي تعرضت له وأقوم حالياً بعملية المسح الضوئي ومعالجة الصور التي تأثرت أثناء فترة التخزين".

متابعاً: "ونظراً لأن كمية الصور التي وثقت فيها زيارتي إلى اليمن كبيرة فقد احترت ولم أكن أعرف ماذا أفعل بها أكثر من أن أقوم بحفظها وأرشفتها رقميا إلى أن اقترح أحد أصدقائي اليمنيين هنا في السويد أن أنشرها في إحدى المجموعات الخاصة بالصور اليمنية القديمة على "فيسبوك"، وبمجرد أن بدأت بالنشر كانت ردود الافعال مذهلة، ولم أكن أتخيل أن صوري ستنال كل هذا الإعجاب والتداول".

ويضيف: "هناك اقتراحات لترتيب معارض فوتوغرافية عن اليمن أو نشر هذه الصور في كتاب خاص، ولكنني أود أن أجعل كل هذه الصور متاحة للجميع وأعتقد أن أفضل طريقة للقيام بذلك هي ترتيبها في أرشيف رقمي متاح مجانًا على الإنترنت".

الطبيب "بيورن وينجتون" يتوق حالياً لزيارة اليمن رغم الظروف السيئة التي يعانيها البلد. يقول: "سيكون من الرائع أن أزور اليمن مرة أخرى، وأقابل أصدقائي القدامى والجدد، وأثق أن هؤلاء الأصدقاء ستغمرهم السعادة الكبيرة لرؤيتي مجدداً". 

ويستدرك مواسياً وآسياً لأوضاع بلادنا: "من الضروري أن تكون مستعداً لخيبات الأمل، وصحيح أن طبيعة الحرب ككل هي تدمير المدن وتغيير الناس، لكن ثمة أصدقاء يمنيين أخبروني أن كل شيء لم يتغير مثلما قد يعتقد البعض وأن جمال الزمن القديم ما يزال موجوداً في اليمن".

 ويتابع: "الأمل يحدوني بأن يتجاوز اليمن محنته بأقل الخسائر وبأسرع وقت ممكن، رغم أن ما يدور في اليمن حالياً هو أمر مؤسف من حيث أن ذلك ليس الا حربا بالوكالة تديرها قوى خارجية على أرض اليمن".

ويؤكد بيورن: "هناك قوى خارجية أجنبية تتجه لجعل اليمن مسرحاً لأفكارها واجندتها الخاصة، وهذا أمر مأساوي".

مستدركاً: "خلال فترة زيارتي لليمن في السبعينات كان ثمة صراعات تدب في بعض الأحايين، ولكن تم انهاؤها، لأنها تُركت لليمنيين ليعالجوها بانفسهم"، مشيراً أنه "لا يمكن إيجاد الحل في اليمن حالياً في ظل وجود هذه القوى الأجنبية، لأنها تبحث عن مصالحها ولا يعني لها الشعب اليمني شيئاً، لذلك ينبغي ترك اليمنيين وشأنهم فهم أدرى بشؤنهم، وأتمنى أن ينعم اليمن وشعبه بالسلام والتنمية ويعود البلد كما كان".