العُرس العدني.. طقوس وعادات مجتمع متسم بالتمدن والتعايش
متفرقات - Thursday 02 February 2023 الساعة 07:10 am"هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"، آية كريمة لخصت كل شروط نجاح الزواج الذي يعتبر من أسمى الروابط الإنسانية، والمتمثلة فيه أروع صور الوفاء والحب والتضحية، أما طقوسه وعاداته وتقاليده بالنسبة للمجتمع العدني يحتوي على صورة مميزة، رغم التطور على مختلف المستويات، ويختلف بين التباهي والبساطة، حسب المستوى المادي للأسرة.
بطائق الدعوة
على أوراق مختلفة الألوان والأشكال ذات تصاميم باهية تقوم بتجهيزها أسرة العروس والعريس، تقوم نساء الأسرتين قبل عشرة أيام أو أسبوع من ميعاد العرس، من بعد صلاة العصر بدق أبواب المدعوين من الأهل والمعارف والأصدقاء لتوزيعها.
وتخاطب النساء الأسر المدعوة بعد إلقاء التحية بأسلوب مهذب قائلين: "إن الأسرة الفلانية تستدعيكم للحضور إلى حفل العرس يوم كذا على الساعة كذا"، ويرد عليها أهل البيت بالدعاء بأن يجعل الله البركة ويكمل بالخير على أهله.
العقد
تختلف حفلة العقد على حسب الحالة المادية لأهل العرس فتقام أحيانا في قاعات أفراح، واحيانا أخرى في منزل العروس، ومن أهم طقوسها اللبس العدني الخاص بالعروسين تتجهز العروس بلبس الدرع العدني المطرز "السهرة"، بعد عقد القران في المسجد.
وتتوج العروس بالمشموم الذي يلف شعرها وجرز الفل على عنقها، وتتدلى منه حبات الصفا المصنوعة من الذهب الأصلي، على أن يتم تعطير الشعر مسبقا بالطيب والعطور والبخور، ليقابلها العريس بلبس المعوز والشميز والمشدة على كتفه، ويأخذ هذا التزيين شكلاً تقليدياً لا تحيد عنه كل الأسر العدنية..
الزقرة والغسل
تعد الزقرة من أهم الطقوس العدنية في الأعراس حيث تتجمع نساء أهل العرس وكل المدعوات في ما تسمى بالمخدرة بالزمن القديم أما الآن فيتم التجمع سواء في لمات صغيرة في منزل العروس أو في القاعات المخصصة للاعراس، ويتم تغطية العروس بشكل كامل حتى الوجه بلباس وطرحة خضراء مطرزة بالخيوط الذهبية، وسط حفل غنائي ورقص شعبي.
إلا أن حفل الزقرة الخاص بالعروس يبدأ من بعد صلاة الظهر، في حين تقدم وجبة الغذاء المشهورة في عدن وهي "الزربيان العدني" المكون من الأرز واللحم والبطاطا، والعشار العدني الذي يعتبر أحد المخللات المعروفة في عدن المكون من الليمون الحامض والبسباس الأحمر والجزر.
وتتواصل حفلة الغسل مساء اليوم ذاته ومن أبرز ملامحها في ذلك المساء دخول أم العروس وقريباتها من النساء حاملات الهدايا للعروس والمعروفة باللهجة الدارجة "المُكـْعس" الذي يتكون في العادة من عطور وملبوسات وشيذر وحذاء خاص.
فيما تكون العروس قد تخلصت من الطرحة الخضراء وكشفت عن وجهها المزيون بلبس فستان باهٍ مطرز، ثم يوزع الشاي الملبن والتمبل الهندي، ليستمر الحفل وسط رقص شعبي على الأغاني العدنية واللحجية والبدوية وحتى المصرية حتى المساء..
الحنا
لا تقتصر طقوس الأعراس على العروس فقط في المجتمع العدني، بل للعريس أيضا فرحته الخاصة في يوم يسمى "الحنا".
في يوم الحنا يقوم كل المدعوين وخاصة الأصدقاء بتلطيخ العريس بـ"الحنا" في مخدرة على ناصية الشارع قريبة من منزل أصحاب العرس بكل جسمه وملابسه وحتى شعره ورقص الشرح العدني "الليوه" على أهازيج العود والأغاني اليمنية التي ما زالت تتصدر الأعراس إلى يومنا هذا.
العرس
وصولاً إلى اليوم الميمون والمنتظر وهو العرس الذي عادةً ما يقام يوم الخميس الذي يعتبر يوما مقدسا وبشارة خير في عدن، ومن أبرز ملامح هذا الحفل دخول العريس إلى منصة الحفل وجلوسه بجانب العروس التي تظهر كالبدر في فستانها الأبيض، بعد أن تتحجب كل النساء الحاضرات بقاعة العرس.
الصبحية
تعد الصبحية طقوسا خاصة بأهل العريس وهو أول يوم عقب ليلة الدخلة تذبح فيها الذبائح للمدعوين في نفس نوع الغذاء الذي يقدم في حفل الغسل، وهو "الزربيان" المأخوذ من العادات الهندية.
مجتمع متمدن متسم بالانفتاح والتعايش
ويُذكّر نيوزيمن بدراسة الكاتبة والباحثة في علوم الآثار والموروث بعدن د. أسمهان العلس، عن كتابها الموروث الثقافي للمرأة العدنية لهذه العادات العدنية والطقوس التي أفضت إلى أن مراسيم الاحتفاء بالزواج قد ارتكزت على مبادئ وأسس معينة منها: سمات التعاون المادي والمعنوي التي يظهرها أفراد هذا المجتمع تجاه بعضهم، وقد تجلى مضمونها في تقديم النقط، كدين سابق واجب أداؤه أو دعم لاحق يتوقع تقديمه في الوقت المناسب.
وتمارس هذه العادة برغبة من أفراد هذا المجتمع في خلق أسس التكافؤ المادي والاجتماعي في أوساطهم، ويمارسها الرجال والنساء على حد سواء. كما لوحظ ضعف تأثير العصبية العرقية والجاه والمركز والجوار بين أفراد هذا المجتمع كمجتمع متمدن يتسم بسمات الانفتاح والتعايش والاندماج بين كل التجمعات العرقية المستوطنة في عدن.