تطورات سياسية وصفيح ساخن.. حضرموت تبحث عن النور في ظلام الخلافات والانقسامات

تقارير - Wednesday 13 December 2023 الساعة 10:44 am
المكلا، نيوزيمن، خاص:

شهدت محافظة حضرموت، شرقي اليمن، تحركات سياسية وتطورات متلاحقة مهمة في الآونة الأخيرة، ظهرت فيها الكثير من التجاذبات والأحداث التي انعكست بدورها على واقع النسيج الاجتماعي الحضرمي.

فعلى مستوى المكونات شهد حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع انقسامات وتفكك هيكلته، وصولاً إلى تشكيل هيئة رئاسة مجلس حضرموت الوطني، وإقرار السلطة المحلية بإيقاف توريد الإيرادات المركزية إلى البنك المركزي في عدن وجعلها تستثمر في المحافظة. 

الصفيح الساخن الذي عاد إلى الواجهة السياسية على مستوى اليمن، كشف عن تراكمات كبيرة في الواقع السياسي وبات يهدد نسيج المجتمع الحضرمي وتفكك مكوناته الرئيسية. فالتباين وعدم التجانس والتقارب وتلاقي الأفكار لخدمة المحافظة برز بشكل كبير خلال الأحداث الأخيرة. وعكست هذه الأحداث على أبناء حضرموت وألقت بظلالها على واقع المشهد بشكل عام.

"معتز عبدالله" كان يستيقظ كل صباح ويلبس ثوب الأمل، لكن سرعان ما يتلاشى هذا الأمل عندما يواجه تحديات الحياة اليومية، فغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار يتصدران قائمة معاناته كلما ذهب إلى سوق سيئون بمحافظة حضرموت، لشراء المواد الغذائية الأساسية.

يقول: نتفاجأ كل يوم بأسعار لا يمكننا تحملها، فالميزانية محدودة وتضيق أكثر فأكثر، وهو ما يحتم عليك الاستغناء عن احتياجات أساسية، ليس هذا فحسب. فالأوضاع السياسية المضطربة في المحافظة، والانقسامات بين مختلف مكونات المجتمع الحضرمي أثرت سلباً على حياة الناس، كما يقول معتز.

ويضيف: "تشعر بالحزن والأسى عندما تشاهد الصراعات والتوترات بين الجماعات المختلفة وتتمنى أن يعيشوا في سلام ووئام".

ومع كل هذه الضغوطات بدأت روح معتز تتلاشى ببطء، فقد تراجعت طموحاته وأحلامه وشعر بالعجز وعدم القدرة على تحقيق ما يرغب فيه لنفسه وأسرته، وشعر بالإحباط العميق واليأس من المستقبل. ويتساءل إذا ما كان هناك أمل في تحسين الوضع وإذا ما كان سيتمكن أبناؤه من الحصول على فرص أفضل في المستقبل؟

تجميد رئاسة حلف حضرموت 

مؤخراً برزت الخلافات السياسية الحادة بين قيادات السلطة المحلية وحلف قبائل حضرموت الذي يترأسه عمرو بن حبريش- وكيل أول بالمحافظة- رئيس الحلف. وباتت هذه الخلافات تهدد التلاحم الحضرمي، خصوصا عقب تبني القيادي بن حبريش حملات إخوانية تهاجم قيادة المحافظة وقوات النخبة الحضرمية والتحالف العربي ممثلاً بدولة الإمارات الشقيقة.

وفي الشهر المنصرم أوقف محافظ محافظة حضرموت مبخوت بن ماضي مذكرة نيابة استئناف محافظة حضرموت بشأن توقيف عمرو بن حبريش بتهمة تكدير السلم والأمن في المحافظة. وبحسب مذكرته في الـ18 من شهر نوفمبر الماضي، أكد أن أمر نيابة استئناف حضرموت باستدعاء "بن حبريش" مخالف للقانون ولا يجوز رفع الدعوى الجزائية على رجال الضبط القضائي أو موظف عام لجريمة منه أثناء تأدية وظيفته إلا بإذن من النائب العام، منوهاً إلى أن السلطة المحلية بالمحافظة هي من ستتولى اتخاذ الإجراءات الإدارية والتأديبية لمنتسبيها وفقاً لقانون الخدمة المدنية.

واعتبر الكثيرون هذه الخطوة المهمة التي أقدم عليها محافظ حضرموت للحفاظ على مؤسسات الدولة وهيبتها وتطبيق النظام والقانون.

تعكس هذه الخلافات تقسيماً سياسياً واجتماعياً في المحافظة، وتثير مخاوف من تفاقم الانقسامات والصراعات الداخلية والتي قد تؤدي إلى تشتيت الجهود المشتركة لتحقيق التنمية والاستقرار في المنطقة، ما يفتح الباب أمام تدخلات خارجية تستغل الفراغ السياسي وتعزز التوترات.

عزل بن حبريش 

سبق التحرك لمقاضاة بن حبريش وتحديدا في الـ4 من نوفمبر الماضي، تحرك قادة عدد من مقادمة ومشايخ وقيادات حلف قبائل حضرموت- الذي يترأسه بن حبريش. وأعلن القادة تشكيل لجنة تحضيرية لإعادة هيكلة رئاسة الحلف وإنهاء محاولة السيطرة على الحلف من قبل الإخوان، متهمين "بن حبريش" بمحاولة اختطاف قرار الحلف وتسخيره لأجندة مشبوهة هدفها استهداف أمن واستقرار المحافظة.

وأكد اجتماع القيادات القبلية أن حضرموت لا يمكن أن تُختزل في شخص أو مكون أو حزب، معلنين عزل عمرو بن حبريش من منصبه في رئاسة حلف حضرموت.

وقال المقدم أمين عام حلف قبائل حضرموت "عمر باشقار"، إن توحيد الصف بعد التمزق بإعادة هيكلة الحلف، رافضاً اعتبار الاجتماع موجهاً ضد أي طرف وإنما من مصلحة حضرموت، مؤكداً أن الحلف تمزق بعد إعلان مرجعية قبائل حضرموت وبعدها كتلة حلف وجامع حضرموت وتعليق الكثير من أعضاء الحلف لعضويتهم، وأضاف "نحن لسنا ضد أحد بل مع مصلحة حضرموت والجميع يعلم كيف كان الحلف في 2013 وما وصل إليه اليوم:.

مستقبل الوضع السياسي

تبقى الآفاق المستقبلية للوضع السياسي في حضرموت غير واضحة في ظل هذه التحركات المتصاعدة، وقد يكون هناك حاجة إلى حوار وطني شامل يضم جميع الأطراف المعنية للتوصل إلى تفاهمات وتسويات سياسية، وتوحيد الجهود نحو تعزيز الوحدة والتضامن داخل حضرموت من أجل تحقيق التوازن بين المصالح الشخصية والمصلحة العامة.

الخلافات المستمرة بين بن حبريش ومحافظ حضرموت بن ماضي تتطلب تدخلاً سريعا وجهودا لتحقيق الوحدة والاستقرار في المحافظة بما يتوجب أن تتوجه الأطراف المعنية نحو الحوار والتفاهمات السياسية للتوصل إلى حلول مستدامة ومبنية على التوافق لمصلحة حضرموت ومستقبلها وبما يحفظ أمن واستقرار ووحدة نسيجها الاجتماعي.

والأحداث تسارعت في محافظة حضرموت مع إعلان تشكيل هيئة رئاسة مجلس حضرموت الوطني من الرياض. حيث جاء الإعلان مشحونا بانسحابات من منتسبيه كونه لا يضم مختلف الفصائل السياسية في المجتمع الحضرمي إلى جانب إقصائه بشكل ملحوظ قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي بالمحافظة. التشقق داخل المجلس الجديد برز من اللحظة الأولى التي أعلن فيها عمرو بن حبريش وكيل أول المحافظة انسحابه منه، رغم تأييده للمجلس أثناء مشاورات تأسيسه قبل أن يتحول معادياً للمجلس وهيئته.

وقف الإيرادات 

خلال الشهر الماضي، أصدرت قيادة السلطة المحلية قراراً قضى بإيقاف توريد الإيرادات المركزية إلى البنك المركزي في العاصمة عدن، في خطوة هي الأولى من نوعها من أجل استقلال المحافظة مالياً وتسيير شؤونها كما هو الحال مع محافظة مأرب التي ترفض التوريد للبنك منذ سنوات.

القرار لقي ترحيباً وإشادة كبيرين من قبل المكونات السياسية والاجتماعية والقبلية، معلنين تأييدهم لهذه الخطوة التي أعلنت عنها السلطة المحلية، كونها تعيد الاعتبار والحقوق لمحافظة حضرموت التي ترفد ميزانية الدولة بموارد كبيرة.

وقال السياسي "حسن طالب" إن قرار محافظ حضرموت في وقف التوريد المالي لموارد حضرموت يأتي في خدمة تطلعات مجلس حضرموت الوطني مستقبلا وخدمة لإرادة أبناء حضرموت في الإدارة الذاتية المالية والإدارية حتى وإن صادف عقبات وصعوبات لأن موارد وحصة تصدير النفط متوقفة في الوقت الراهن مما يؤدي إلى تعطيل العمل بهذا القرار لأسباب موضوعية، إلا إذا تم علاج هذه المشكلة كدعم من جهة معينة مؤيدة لقرار الإدارة الذاتية الذي سبق وأن وعدت رئاسة الدولة به.

ولفت إلى أن القرار رسالة سياسية من أبناء حضرموت أكثر من كونه خدمة واقعية لإدارة السلطة المحلية في حضرموت، موضحا أن التضامن مع قرار المحافظ واجب للانسجام مع الأهداف المستقبلية لأبناء حضرموت.

فيما عقب "بشار العفاري" أن قرارا كهذا لا يمكن أن يأخذه محافظ حضرموت هكذا تهوراً، فهناك شركاء لهم حضور وقد يقلبون الطاولة على من فيها وخاصة أن حضرموت ليست بتلك القوة التي تؤهلها لحسم أي مواجهة في حال وجدت، خصوصا وأن هناك تداعيات بتعدد القوات المختلفة. 

وأكد: "لسنا ضد حضرموت إطلاقاً، وأي قرار يصب حقيقة في مصلحة حضرموت وأهلها كلنا سنكون معه وسوف ندعمه؛ ولكن وراء هذا القرار أمر آخر وهو الضغط على مأرب وغيرها من المحافظات الجنوبية وعليها الالتزام بما عليها لخزينة الدولة المهترئة ليس إلا".

بدوره أشار الصحفي "عوض كشميم" إلى أن من يطلب تأييدا شعبيا ينظر لنفسه ماذا قدم للناس. وأردف "يا محافظ حضرموت، إيقاف الإيرادات إلى البنك المركزي وحده لا يكفي إذا لم يشعر المواطن في حضرموت أن السلطة المحلية عبرت عن مصالحه، كان بإمكانك بموازاة هذا القرار أن تصدر قرارا آخر بإعادة كميات الديزل المدعوم للمواطنين بل بزيادة الكمية إلى 400 ألف لتر يوميا تباع بسعر اللتر 185 ريالا اسوة بمواطني محافظة مأرب التي تبيع لهم سلطة مأرب المحلية العشرين لتر بنزين بسعر 3500 ريال، علما بأن معيشة الناس ومساعدتهم مقدمة على كل الخدمات والاستحقاقات، لأنهم يدركون أن القرار بإيقاف التوريد ليس استراتيجيا وإنما ورقة ضغط للحصول على زيادة حصة حضرموت من نسبة ايراداتها، ولم يكن القرار طويل المدى لرفع نسبة حصة حضرموت الى 50% ويتم خصمه مباشرة محليا قبل توريده مركزيا.

وأكد الصحفي كشميم أن قضية الإيثار لمصالح الناس أكبر خدمة تقدمها السلطة في حياة ومعيشة المواطن، هنا سيقف الناس معك عندما يشعرون أن ثروات أرضهم ومصفاة بترومسيلة تنفس عن معاناتهم، مختتما بالقول "من يطالب بتأييد شعبي ينظر لنفسه ماذا قدم للناس".

التحركات السياسية والتطورات المتلاحقة في محافظة حضرموت تعكس إرادة الشعب والأطراف المعنية في تحقيق التقدم والاستقرار، ومع استمرار الجهود المبذولة لتعزيز الحوار وتعزيز التنمية الشاملة. هناك توقعات بأن تشهد المحافظة مستقبلاً أفضل وتحقق فيه آمال وتطلعات أبنائها. إلا أنه لا يمكن تجاهل التحديات التي ما زالت تواجه المحافظة، فالأوضاع السياسية لا تزال متذبذبة وهشة، إلى جانب الأوضاع الأمنية المتدهورة في مناطق الوادي. وتظل الجماعات المتطرفة في تلك الواقعة تحت سيطرة نفوذ الإخوان بالمحافظة تشكل تهديداً للأمن والاستقرار، بالإضافة إلى ذلك لا تزال هناك حاجة ملحة لتعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد، وهذا يتطلب جهوداً مستمرة وتعاوناً بين جميع الأطراف المعنية.

ومع ذلك، فإن الوضع يتطلب متابعة دقيقة وجهودا مستمرة من الجميع لمواجهة التحديات المستقبلية وتحقيق التقدم المستدام في حضرموت. فالعمل المشترك والتعاون بين الأطراف المختلفة سيكون ضرورياً لتحقيق الاستقرار الشامل والتنمية المستدامة في المحافظة.