لماذا تعسّر مخاض توسيع التحالف الدولي ضد القرصنة الحوثية؟

تقارير - Tuesday 19 December 2023 الساعة 09:54 pm
المخا، نيوزيمن، خاص:

مع تصعيد جماعة الحوثي- ذراع إيران في اليمن، هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر، يزداد التوجّه لتشكيل قوة دولية لحماية سفن التجارة العالمية، وهو ما يثير مخاوف بشأن تبعات "عسكرة" البحر والمنطقة.

ورغم إعلان أمريكا أن تهديد الحوثيين للسفن في البحر الأحمر "يتطلب حلاً دولياً"، في إشارة لتشكيل قوة دولية لردع الجماعة الانقلابية، ما زال تشكيل تحالف دولي لهذا الغرض في طور المخاض العسير منذ أسابيع، فما هي أسباب هذا التعسّر؟

يقول مراقبون للصراع في المنطقة العربية، إن واشنطن حريصة على عدم تجاوز الخطوط الحمراء لقواعد الاشتباك بينها وبين إيران، وهو ما ستعتبره إيران كذلك في حال أي رد عسكري على أذرعها في المنطقة، خاصة مع توفر سبب أخلاقي قوي لهجمات ذراع إيران في اليمن، وهو مناصرة القضية الفلسطينية، حتى وإن كان الحوثيون يستثمرون سياسياً في هذا السبب الأخلاقي.

ووصف الخبير المصري في العلاقات الدولية والأمن القومي، اللواء محمد عبدالواحد، الهجمات الحوثية بأنها رغم تأثيرها على اقتصاد المنطقة، فهي لا تعد تجاوزا للخطوط الحمراء لأن المليشيا الحوثية تخدم في نهاية المطاف أمريكا وحلفاءها.

تحفظ عربي على المشاركة

حتى الآن لم تعلن أي دولة عربية مشاركتها في التحالف الدولي الذي تدعو الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيله من أجل ردع الهجمات الحوثية وقرصنتها في البحر الأحمر، فيما أعلنت وزارة الدفاع بالحكومة اليمنية أنها لن تشارك في هذا التحالف، لأن اتخاذ قرار كهذا يتم عبر السلطات العليا للبلاد، أي مجلس القيادة الرئاسي.

على الرغم من إعلان عضو مجلس القيادة الرئاسي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي استعداد القوات التابعة للمجلس للمشاركة في تحالف دولي لردع هجمات وقرصنة المليشيا الحوثية، فإن القرار لم يتخذ على مستوى أعضاء المجلس الثمانية.

في السياق ذاته، قال المتحدث باسم القوات المشتركة وقوات المقاومة الوطنية، وضاح الدبيش، إن القوات المشتركة وقوات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، على تنسيق واتصال مستمر مع القيادة العسكرية في التحالف العربي بقيادة السعودية ومع قوات التحالف الدولي لحماية وتأمين الممر البحري في البحر الأحمر.

وأضاف وضاح الدبيش، في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي، بأن الزيارة التي أجراها وفد عسكري سعودي، الاثنين الماضي، لمقر القوات في مدينة المخا بمحافظة تعز تأتي "في وقت ومرحلة خطيرة يتعرض لها الأمن البحري الدولي للتهديد من قبل جماعة الحوثي المسلحة، وعمليات القرصنة على الممر البحري الدولي في البحر الأحمر".

وقال الدبيش، إن "التشكيلات البحرية وخفر السواحل في قوات المقاومة الوطنية تعمل على تأمين عدد من الجزر الحيوية والاستراتيجية اليمنية الواقعة في قلب البحر الأحمر، مثل جزيرة زقر وحنيش حتى باب المندب".

وذكر أن القوات بقيادة العميد طارق صالح أكدت للوفد العسكري السعودي استعدادها "للمشاركة في عملية تأمين الممر البحري من التهديد والقرصنة الحوثية" في البحر الأحمر.

وأشار إلى أن جماعة الحوثي تشن هجمات بذريعة دعم الشعب الفلسطيني، لكنها في حقيقة الأمر تنشر "الفوضى على حساب الشعب اليمني".

وكان عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح استقبل في المخا وفدا عسكريا سعوديا من قيادة التحالف في عدن بقيادة العميد حسين عوض الحربي.

وقالت وكالة الأنباء الحكومية سبأ- النسخة الشرعية، إن اللقاء تناول "جهود وجاهزية القوات البحرية وخفر السواحل اليمنية، وسُبل دعمها وتطويرها لتعزيز دورها في تأمين حدود اليمن البحرية وحمايتها من التهديدات الإرهابية، ضمن جهود الإقليم على ضفتي البحر الأحمر، للحفاظ على أمن وسلام المنطقة وتجنيبها الصراعات والتجاذبات".

وعلى الصعيد نفسه ما زالت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما الدولتان اللتان تقودان التحالف العربي لردع المليشيا الانقلابية منذ 2015، لم يصدر عنهما أي موافقة بالانضمام إلى هذا التحالف بالرغم من مشاركتهما في التحالف الذي تم تشكيله في 2019، لتأمين الملاحة البحرية في مضيق هرمز وبحر عمان ومضيق باب المندب.

حينها كان لدى السعودية والإمارات تحفظات على المشاركة في ذلك التحالف على خلفية معارضة أمريكا وبريطانيا لجهودهما في تمكين قوات الحكومة الشرعية من السيطرة على مدينة الحديدة وساحلها، والضغط البريطاني الأمريكي لتمرير اتفاق ستوكهولم الذي سيطرت بموجبه مليشيا الحوثي على الحديدة وأجزاء واسعة من الساحل الغربي اليمني.

وذكرت آنذاك صحيفة عكاظ السعودية أن التحالف العربي "عمل طوال السنوات الماضية على تأمين الملاحة الدولية وردع الإرهاب الحوثي، لكن المسؤولية اليوم أيضاً يتحملها المجتمع الدولي كون الإرهاب الحوثي يهدد أمنه وينتهك الاتفاقيات الدولية وحرية الملاحة في الممرات المائية الدولية. ومن ثم فإن الصمت عن الإرهاب الحوثي سيدفعه إلى المزيد من الهجمات ضد السفن الدولية ما قد يؤدي إلى كوارث بيئية ستتضرر منها دول عدة وليس اليمن والمنطقة وحدها".

كان ذلك تحذيراً لم تصغ إليه واشنطن ولندن، والآن تسعى أمريكا لتشكيل تحالف دولي تشارك فيه دول المنطقة لردع الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، أو بالأصح توسيع نطاق التحالف السابق ليشمل مياه البحر الأحمر، وهو ما يجعل مهمتها أكثر صعوبة، خاصة إذا ما استمر التقارب السعودي الإيراني دون تجاوز طهران للخطوط الحمراء في الإضرار بمصالح الدول العربية.

تداعيات اقتصادية للهجمات الحوثية

مما لا شك فيه أن التداعيات الاقتصادية للهجمات والقرصنة الحوثية في مياه البحر الأحمر بدأت تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، خاصة بعد إعلان خمس شركات شحن بحري عالمية تحويل مسار سفنها تجنباً لهذه الهجمات والقرصنة.

ومطلع الأسبوع الجاري، نقل موقع قناة "سكاي نيوز عربية" عن الخبير الاقتصادي أبو بكر الديب، تصريحاً عدد فيه بعضا من الجوانب الأمنية والاقتصادية التي تؤثر سلبا على المنطقة والعالم جراء الهجمات الحوثية.

وقال الديب إن البحر الأحمر يمثل حلقة الوصل البحرية الأسرع والأقصر بين آسيا وأوروبا، وشريانا حيويا يمر من خلاله نحو 10 في المئة من إمدادات النفط المنقولة بحرا على مستوى العالم، ما يساوي 6- 7 ملايين برميل نفط يومي، و12 في المئة من التجارة العالمية، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، وهو ما سيؤثر على سلاسل التوريد ويرفع أسعار السلع ويزيد التضخم.

وأضاف إن الهجمات والتهديدات الحوثية تتسبب في ارتفاع تكلفة التأمين على السفن التي ستحاول السير في طرق بديلة أكثر أمنا، لكن أكثر تكلفة في نفس الوقت، مثل طريق رأس الرجاء الصالح (حول إفريقيا)، مشيراً إلى أن بعض شركات التأمين رفعت الأسعار فعلا الأسبوع الماضي بنسبة تصل إلى 200%، نظرا لزيادة المخاطر.

في السياق نفسه، يقول الدكتور أشرف كشك مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز "دراسات" بالبحرين، ومؤلف كتاب "الأمن البحري لدول الخليج العربي" الصادر عام 2022، إن "الأضرار التي ستنتج عن التهديدات الحوثية "لن تقتصر على دولة بعينها، حتى ولو كانت سفنها هي المقصودة، ولا سيما في وقت ازداد فيه الاعتماد على النقل البحري خلال السنوات الماضية بنسبة تفوق 400%، خاصة نقل السلع الاستراتيجية مثل النفط"، مشيرا إلى أن عمليات الشحن التجاري "لديها حساسية عالية" من أي تهديدات لأمن الملاحة.

عسكرة البحر الأحمر والمخاض الصعب

مع دخول البحرية الفرنسية إلى جانب البحرية الأميركية والبريطانية للتصدي للهجمات الحوثية، تتصاعد المخاوف من عسكرة البحر الأحمر والمنطقة.

ويرى الدكتور مايكل نايتس، زميل برنامج برنستاين بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، والخبير في الشؤون العسكرية والأمنية لدول الخليج، أن عمل القوة التي تحاول أمريكا تشكيلها سيكون مماثلا لعملية "الرغبة الجادة" في ثمانينات القرن الماضي، "حيث كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يرافقون ناقلات النفط لدى مرورها في مياه الخليج العربي خلال الحرب العراقية-الإيرانية بعد تعرض بعض الناقلات للهجوم من قبل إيران.

وأضاف نايتس: الولايات المتحدة تسعى إلى تقاسم الأعباء، فكافة الدول ينبغي أن تتحمل جزءا من عبء الحفاظ على الأمن في البحر الأحمر، لأن الولايات المتحدة لا تريد أن تصاب قواتها البحرية بالإنهاك.

كما يرى الدكتور أشرف كشك أن "زيادة التهديدات التي توظف فيها التكنولوجيا الحديثة سوف تؤدي إلى واقع أكثر تعقيدا على مقربة من الممرات المائية، ومن ثم احتدام التنافس وعسكرة ذلك التنافس ولا سيما في منطقة القرن الإفريقي التي تضم 19 قاعدة عسكرية تديرها 16 دولة على المستويين الإقليمي والعالمي".

مع كل هذه المعطيات، وهي معطيات قليلة مقارنة بتعقيدات الأمن البحري في الدول المطلة على البحر الأحمر، تدفع أمريكا وبريطانيا فاتورة باهظة اليوم نتيجة موقفهما من كسر شوكة المليشيا الحوثية، ليس فيما يخص سيطرتها على السواحل اليمنية فقط، بل على مستوى سيطرتها على ما يقارب ثلث مساحة اليمن وثلثي سكان البلاد.