التداعيات الاقتصادية لهجمات البحر الأحمر.. كيف حول الحوثي دول العالم إلى أعداء؟

تقارير - Tuesday 16 January 2024 الساعة 09:23 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

في أبرز مثال على تداعيات المشهد بالبحر الأحمر والهجمات التي تشنها مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، أعلنت أكبر شركة لصناعة السيارات الكهربائية "تسلا" الخميس بأنها ستعلق معظم إنتاجها لمدة أسبوعين في مصنعها الأوروبي قرب العاصمة الألمانية برلين.

الشركة الأمريكية التي يملكها أغنى أغنياء العالم إيلون ماسك قالت إن هذا القرار يأتي "بسبب نقص في المكونات ناتج عن تأخر في عمليات التسليم جراء الهجمات في البحر الأحمر".

ما أعلنته الشركة الأمريكية لم يكن الآن مثالاً على التداعيات السلبية التي أحدثتها هجمات جماعة الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، على الملاحة الدولية بالبحر الأحمر منذ نوفمبر الماضي.

وتزعم الجماعة المصنفة من قبل الحكومة الشرعية كـ"جماعة إرهابية" بأن هذه الهجمات تستهدف مساندة الشعب الفلسطيني في غزة ضد العدوان الإسرائيلي باستهداف السفن التي لها علاقة بالكيان الإسرائيلي او المتجهة إلى موانئه، وتؤكد بانها تسبب بالحاق أضرار اقتصادية كبيرة.

مزاعم الجماعة الحوثية لا تعكس الحقيقة كاملة، فضرر الهجمات التي شنتها على السفن التجارية بالبحر الأحمر طال دول العالم بشكل مباشر أو غير مباشر، كما أن مزاعمها بأنها لا تستهدف إلا السفن التي لها علاقة بالكيان الإسرائيلي او المتجهة إلى موانئه، غير صحيحة أيضاً.

فعدد من هجمات الجماعة الحوثية استهدف سفناً لا علاقة لها بإسرائيل، بل إن الجماعة كادت أن ترتكب خطأ كارثياً يوم الجمعة الماضية بعد أن سقط صاروخ اطلقته من مناطق سيطرتها بالقرب من ناقلة تحمل نفطًا روسيًا في خليج عدن، حيث استهدفت الجماعة الناقلة بناء على معلومات قديمة تربط السفينة ببريطانيا. 

ما حدث كان مؤشراً ودليلاً على عبثية الهجمات التي تشنها الجماعة المدعومة من إيران ضد الملاحة الدولية، بالإضافة إلى عدم إدراكها لحجم التداعيات الاقتصادية لهذه الهجمات وتوقيتها الذي يأتي في لحظة حرجة للاقتصاد العالمي يحاول فيها التعافي من الأزمات العنيفة التي مر بها خلال السنوات الثلاث الماضية من وباء كورونا إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

وهو ما تناولته صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها عن تأثير الأزمة المشتعلة في مياه البحر الأحمر على الاقتصاد العالمي، نقلت فيه تحذيرات عن بعض كبار الاقتصاديين بالعالم، من أن الصراع المطول في البحر الأحمر وتصاعد التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط قد يكون له آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي، مما يؤدي إلى إشعال التضخم وتعطيل إمدادات الطاقة.

في حين أكد البنك الدولي في تقريره الأخير حول آفاق الاقتصاد العالمي بأن أزمة الشرق الأوسط، مع الحرب في أوكرانيا، خلقت مخاطر حقيقية، ويقول التقرير: "إن تصاعد الصراع يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة، مع ما يترتب على ذلك من آثار أوسع نطاقاً على النشاط العالمي والتضخم".

ويضيف: لقد بدأت الهجمات الأخيرة على السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر بالفعل في تعطيل طرق الشحن الرئيسية، مما أدى إلى تآكل الركود في شبكات الإمداد وزيادة احتمال حدوث اختناقات تضخمية. وفي ظل الصراعات المتصاعدة، يمكن أيضا أن تتعطل إمدادات الطاقة بشكل كبير، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة. 

ويحذر التقرير من أنه سيكون لذلك آثار غير مباشرة كبيرة على أسعار السلع الأساسية الأخرى ويزيد من عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تثبيط الاستثمار ويؤدي إلى مزيد من إضعاف النمو.

الصحيفة البريطانية تشير إلى أن الصراع الجديد في البحر الأحمر وتأثيراته على قناة السويس يأتي في الوقت الذي يؤدي فيه الجفاف إلى قطع التجارة عبر قناة بنما. وتضيف: إن اثنين من مفاتيح التجارة الخمسة في العالم يتعرضان الآن لخطر حقيقي.

وكانت الصحيفة قد نشرت تقريراً الشهر الماضي، حذر فيه خبراء اقتصاديون من أن تغيرات المناخ ستؤثر سلبا، من خلال الجفاف الذي تسببه، على حركة النقل البحري في قناة بنما، وهو ممرّ إلزامي لنحو 6 بالمئة من حركة الملاحة التجارية العالمية بين المحيطين الأطلسي والهندي.

الأزمة التي تعاني منها قناة بنما منذ منتصف العام الجاري والتي تسببت بنقص عدد السفن المارة منها، كان دفع بشركات الشحن البحرية إلى التحويل عبر قناة السويس والبحر الأحمر لنقل البضائع من آسيا الى أوروبا وامريكا، لكن الهجمات الأخيرة لجماعة الحوثي دفعتها إلى تحويل المسار عبر رأس الرجاء الصالح.

تحويل مسار السفن بسبب الهجمات في البحر الأحمر قفز بتكاليف شحن البضائع من آسيا إلى شمال أوروبا بنسبة 173% بحسب ما ذكره موقع "فريتوس" المتخصص في الاقتصاد، وهو ما يعني ارتفاعا في أسعار السلع وزيادة في نسب التضخم الذي تعاني منه دول العالم وتحديداً أوروبا وامريكا.

تداعيات اقتصادية كارثية للاقتصاد العالمي تفسر سبب اندفاع الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وهولندا وألمانيا ومؤخراً إيطاليا الى التحرك عسكرياً لردع هجمات مليشيات الحوثي على الملاحة الدولية، في حين من المتوقع صدور قرار بشأن إطلاق عملية بحرية جديدة للاتحاد الأوروبي لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين خلال الأسابيع القادمة.