توجيهات للمرة الثانية بالعودة إلى الداخل وسط تحديات اقتصادية ومتغيرات سياسية أمام "الرئاسي" وحكومته

تقارير - Friday 19 January 2024 الساعة 08:11 pm
عدن، نيوزيمن، عمار علي أحمد:

كشفت وثيقة رسمية حصل عليها "نيوزيمن" عن صدور توجيهات من رئاسة الحكومة إلى أعضائها بالعودة إلى العاصمة عدن ومزاولة عملهم منها، وسط تحديات اقتصادية ومالية تواجه الحكومة.

الوثيقة الصادرة عن مدير مكتب رئيس الحكومة إلى الوزراء المتواجدين خارج العاصمة عدن، بسرعة عودتهم إلى مقار أعمالهم بحد أقصى يوم الخميس (أمس) لممارسة مهامهم من مكاتبهم في دواوين وزاراتهم، على أن تتولى الأمانة العامة لمجلس الوزراء متابعة ذلك والرفع بتقرير إلى رئيس الوزراء.

وجاءت هذه التوجيهات في حين يتواجد رئيس الحكومة وأغلب وزرائها خارج البلاد منذ أسابيع، وكذلك الحال بالنسبة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي وأغلب أعضاء المجلس وقائمة طويلة من المسؤولين.

ويأتي هذا الوضع على الرغم من التوجيه الأول الذي أصدره رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في أغسطس من العام الماضي، بعودة جميع مسؤولي الدولة لممارسة مهامهم من العاصمة عدن ومختلف المحافظات المحررة، محدداً مهلة ستة أيام لتنفيذ ذلك مع التوعد باتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين.

اللافت في التوجيهين أنهما صدرا عقب إعلان البنك المركزي في عدن عن وصول دفعة من الدعم المالي الذي أعلنت عنه السعودية لدعم الموازنة في مواجهة الأزمة التي نتجت عن وقف تصدير النفط جراء هجمات مليشيات الحوثي الإرهابية على موانئ التصدير في حضرموت وشبوة، وهو ما يولد تعليقات ساخرة بين الناشطين ضد هذه التوجيهات بأن هدفها "ابتلاع" الدعم السعودي.

وبعيداً عن صحة ذلك من عدمه، إلا أن هذه السخرية تكشف جانباً من فقدان الثقة بالتوجيهات، خاصة وأنها صدرت في المرة الأولى من قبل "العليمي" وفي الثانية من قبل "معين" وهما متواجدان خارج البلاد، في حين أن الطبيعي بأن تصدر مثل هذه التوجيهات من داخل العاصمة عدن.

وما يعزز من أهمية وحاجة تطبيق قرار العودة إلى الداخل هو حجم التحديات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تواجه اليوم مجلس القيادة الرئاسي والقوى المنضوية في إطاره، وفي ظل المتغيرات الكبيرة التي طرأت على المشهد اليمني وأعادت خلط أوراقه بشكل كامل.

على رأس هذه التحديات تأتي الأزمة المالية المستمرة والتي تعاني منها الحكومة مع مرور أكثر من عام على توقف عملية تصدير النفط وما أنتجته من عجز كبير لدى الحكومة في الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين بالمناطق المحررة وعلى رأسها المرتبات والخدمات.

وفي أحدث وأبرز مؤشر على ذلك هو عجز الحكومة حتى الآن على صرف مرتب شهر ديسمبر الماضي لأغلب الموظفين المدنيين بالمناطق المحررة، مع اقتراب موعد استحقاق مرتب شهر يناير الحالي بعد 10 أيام فقط، ما يعكس حجم وعمق الأزمة النقدية والمالية التي تعاني منها موازنة الدولة.

في حين يجسد وضع خدمة الكهرباء بالعاصمة عدن خلال الساعات الماضية معاناة الحكومة في ملف الخدمات بالمناطق المحررة، حيث ارتفعت ساعات انقطاع الخدمة لأكثر من 5 ساعات مقابل ساعتي تشغيل وهو أمر غير مسبوق حدوثه في ذروة فصل الشتاء الذي ينخفض فيه حجم الطلب على الخدمة.

انهيار الخدمة جاء من إعلان مؤسسة الكهرباء بعدن توقف أكثر من 80%‎ من محطات توليد الكهرباء بالمدينة، جراء نفاد وقود المازوت وسبقه نفاد وقود الديزل، ليصل معه حجم التوليد حالياً إلى 100 ميجاوات فقط.

إعلان المؤسسة مر عليه أكثر 4 أيام دون استجابة من قبل الحكومة بسبب عجزها عن توفير كميات من الوقود، وهو ما أثار مخاوف أبناء المدينة والمناطق المحررة من كارثية الوضع في الصيف القادم في حال استمرار الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة.

وإلى جانب الوضع الاقتصادي، تفرض تطورات الأحدث بالبحر الأحمر بين جماعة الحوثي من جهة والدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا تحديات سياسية هامة أمام مجلس القيادة الرئاسي في التعامل مع تداعياتها على المشهد في اليمن.

أولى هذه التداعيات كان تجميد جهود السلام، بل انهارت، على حد تصريحات عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي لوسائل إعلام أجنبية الأربعاء، على هامش مشاركته في أعمال منتدى دافوس بسويسرا.

انهيار أو تجميد جاء بعد أن كانت على وشك أن تتوج مطلع هذا الشهر بالتوقيع على خارطة السلام التي وضعتها السعودية بعد سنة من المفاوضات السرية مع جماعة الحوثي برعاية عُمانية، وتم تقديم هذه الخارطة إلى المبعوث الأممي لوضع الترتيبات النهائية لها مع الجماعة ومجلس القيادة الرئاسي والشروع بتنفيذها.

إلا أن هذه التداعيات قد تشكل فرصة مناسبة لإحداث تغيير في موازين القوى والمشهد باليمن عسكرياً أو حتى في مشهد السلام، لصالح مجلس القيادة الرئاسي إذا أحسنت قيادته وقواه استثمار انقلاب موقف الغرب ضد جماعة الحوثي بسبب هجماتها ضد الملاحة الدولية، وهو استثمار لن يتم إلا إذا نجح المجلس في تقديم نفسه كقوة حقيقية وموحدة تمثل الدولة اليمنية وتديرها من الداخل وليس من الخارج.