كمّاشة إيران على السيادة الوطنية.. قوى لبنانية ترفض ربط عبداللهيان أمن بيروت بأمن طهران
تقارير - Monday 12 February 2024 الساعة 09:06 pmيعتقد قطاع واسع من الشعوب العربية ومنها اليمن أن لبنان أصبح دولة تابعة لإيران وأن الشعب اللبناني لا يمانع هذه التبعية بحكم سيطرة حزب الله -الذراع الإيرانية في لبنان- على مفاصل الدولة وامتلاكه قدرات عسكرية تفوق قدرات الجيش اللبناني.
لكن الأمر ليس كما يبدو في تصريحات المسؤولين الإيرانيين وقيادات الأذرع التابعة لهم في المنطقة، حيث قوبلت تصرفات وتصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في زيارته الأخيرة إلى بيروت، بموجة انتقادات لاذعة ورفض لتصريحاته، وخاصة تلك التي قال فيها إن "أمن لبنان من أمن إيران".
وبالتزامن مع زيارة عبداللهيان لبيروت، الجمعة، دعا حزب "القوات اللبنانية" على لسان جهاز العلاقات الخارجية فيه، الوزير السابق ريشار قيومجيان، الحكومة اللبنانية، إلى التحرك تجاه تعامل إيران مع الأمور السيادية الخاصة بلبنان. وكتب عبر حسابه على منصة "إكس": "(أمن لبنان من أمن إيران) معادلة خطيرة ضد مصلحة لبنان واستقراره وسلامة شعبه وأراضيه"، معتبرا أن "سكوت الحكومة اللبنانية خيانة"، ويعني أنها "سلمت قرار الدولة الاستراتيجي إلى دولة أجنبية". وأكد قيومجيان أن "مواجهتنا مستمرة ولبنان لن يكون في محور إيران... نموذج أمن غزة من أمن إيران أمامنا فلا تعيدوا التجربة".
واعتبرت مصادر في حزب "الكتائب اللبنانية" أن كلام الوزير الإيراني يأتي ضمن سياق السياسة التي تعتمدها طهران في تعاطيها مع لبنان عبر "حزب الله"، ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن هذه المصادر قولها: "موقف الوزير الإيراني يؤكد أن لبنان لا يملك كلمة تجاه ما يجري من أحداث لأنه هو رهينة في يد (حزب الله) الذي يتلقى بدوره أوامره من إيران، وبالتالي يعتبر أن مصلحة طهران هي أولوية بالنسبة إليه وليس لبنان". وجددت هذه المصادر التأكيد على رفض "الكتائب" ربط الساحة اللبنانية بأي ساحة أخرى وإدخاله بلعبة المحاور.
النائب السابق ورئيس "المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان"، فارس سعيد، انتقد زيارة الوزير الإيراني إلى بيروت شكلاً ومضموناً، وكتب عبر حسابه على منصة «إكس»: "زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت مثل زيارة المالك لملكه، يتصرّف بثقة، يصرّح فور وصوله إلى المطار قبل لقائه أي مسؤول لبناني، يبلّغ وجهة نظر بلاده من بيروت التي يعتبرها صندوق بريد سياسته"، وأضاف: "يستند كلامه على حضور إيران في الجنوب على حدود إسرائيل بطول 130 كيلومتراً"، متسائلاً: هذا ليس احتلالاً؟ كيف يكون؟".
ويصف الباحث والأستاذ الجامعي، مكرم رباح، زيارات وزير الخارجية الإيراني "التي يدّعي أنها دبلوماسية" بالمسرحيات، ويقول لـ"الشرق الأوسط": «تصريحاته (عبداللهيان) التي يربط بها أمن لبنان بأمن إيران ليست من باب المحبة والصداقة إنما المقصود بها السيطرة الأمنية والسياسية لإيران على لبنان والتأكيد على أن طهران هي من تقرر ما يحصل في لبنان، لا سيما فيما يتعلق بخطوات الحزب المقبلة".
وزار حسين أمير عبداللهيان بيروت الجمعة الماضية في زيارة هي الثالثة منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأطلق تصريحات استفزت اللبنانيين لخروجها عن الأعراف الدبلوماسية وانتهاكها لسيادة البلاد، كما كانت أول وجهة للوزير الإيراني اللقاء بحسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني، وذلك قبل لقائه بأي مسؤول في الحكومة اللبنانية.
تعدد الرسائل
وتعددت الرسائل السياسية التي أطلقها وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان من بيروت، حيث شملت محادثاته رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، وقادة حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في لبنان.
وبقيت المحادثات، كما يقول مصدر نيابي بارز لـ"الشرق الأوسط"، تحت سقف ضرورة إعطاء فرصة لتمرير التسوية على قاعدة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، كاشفاً في الوقت نفسه، ونقلاً عن عبداللهيان، أن المراسلات بين طهران وواشنطن لم تنقطع، لا بل ارتفعت وتيرتها لمنع توسعة الحرب، ومؤكداً أن سلطنة عُمان تتولى رعايتها، ويشارك فيها من حين إلى آخر سفير سويسرا لدى إيران ومسؤولون من دولة قطر.
ولعل تعدُّد الرسائل التي أطلقها عبداللهيان، وإن كانت قوبلت بتصعيد عسكري من قبل تل أبيب تجاوزت فيه الخطوط الحمر في استهدافها لمسؤول التجنيد في "حماس" في الضفة الغربية باسل صالح في بلدة جدرا، من دون أن تتمكن من اغتياله، علماً أن هذه البلدة تبعد عن منطقة جنوب نهر الليطاني نحو 37 كيلومتراً وعن بيروت 25 كيلومتراً.
استدراج "حزب الله"
وذكرت الصحيفة السعودية أنها علمت من مصادر في ما يسمى "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل) بأن تل أبيب اتخذت قرارها بتجاوز الخطوط الحمر في استهدافها لمناطق لا تقع ضمن منطقة جنوب الليطاني، في محاولة لاستدراج "حزب الله" نحو توسعة الحرب. وهذا ما لفت إليه عبداللهيان في لقاءاته مع نصر الله والقيادات الفلسطينية، داعياً إلى ضبط النفس لتفويت الفرصة على رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي يصر على التصعيد جنوباً لتمرير رسالة للدول التي تضغط عليه لمنعه من توسعة الحرب على امتداد الجبهة الشمالية.
ولفتت المصادر في "الثنائي الشيعي" إلى أن فريق الحرب في إسرائيل أراد إعلام المجتمع الدولي بأنه لن يرضخ للضغوط ما لم يوفّر له الضمانات المطلوبة ليبقى على قيد الحياة، بالمفهوم السياسي للكلمة. وقالت إن استهداف جدرا الواقعة على تخوم بيروت الإدارية لا يتعلق بمحاولة اغتيال المسؤول في "حماس" فحسب، وإنما يتخطاه لتوسعة الحرب جنوباً.
وبحسب تلك المصادر فإن الوزير الإيراني حاول من خلال هذه الزيارة للبنان "شدشدة" ما يسمى "محور الممانعة" الذي تقوده إيران، وتحذير حزب الله من الانجرار إلى التصعيد الإسرائيلي طالما هنا تواصل بين طهران وواشنطن لإيجاد تسوية لحرب غزة. وكشفت المصادر أن المسؤولين في ما تسمى "غرفة العمليات المشتركة لمحور الممانعة" التي يشرف عليها حسن نصر الله، يتخوفون من تحويل منطقة جنوب الليطاني إلى منطقة عازلة أسوة بالمنطقة الواقعة في شمال فلسطين المحتلة.
وفي محاولة لطمأنة "الثنائي الشيعي" في لبنان، قال وزير الخارجية الإيراني إن فصائل المقاومة الفلسطينية لا ينقصها السلاح والذخائر بكل أنواعها، وأنها أمّنت مزيداً من الاحتياط من خلال المصانع التي أنشأتها لتصنيع الصواريخ والقذائف، ولديها من الاكتفاء الذاتي ما لا يسمح لإسرائيل بالإطباق على غزة، بحسب مصادر "الشرق الأوسط".
التدخل في الانتخابات الرئاسية
لكن الرسائل السياسية التي أطلقها عبداللهيان لم تكن محصورة بالشق الإقليمي من حيث إعلان حالة الاستنفار السياسي والعسكري لكبح جماح نتنياهو وتفويت الفرصة عليه لتوسعة الحرب جنوباً، وإنما أراد أن يتناول فيها جملة من أبرز القضايا الخلافية المطروحة على الساحة اللبنانية، ومن أبرزها إخراج انتخاب رئيس الجمهورية من التأزُّم.
ونقلت "الشرق الأوسط" عن مصادر وصفتها بالرسمية الرفيعة أن عبداللهيان تطرق إلى انتخاب الرئيس ودعا إلى لبننته، على أن يكون انتخابه نقطة توافق بين الكتل النيابية بمنأى عن أي تدخّل خارجي.
ورغم ما يبدو على قول عبداللهيان "بمنأى عن أي تدخل خارجي" من تناقض يثير السخرية، توضح هذه الجملة المدى الذي وصل إليه التدخل الإيراني في شؤون لبنان بعد أن أصبح البلد رهينة في يد ذراع طهران الأقوى في المنطقة على حساب إضعاف الدولة اللبنانية. كما تشير الحالة اللبنانية إلى الطبيعة المتدرجة لسياسة إيران في البلدان التي تزرع فيها أذرعا لها، وصولا إلى الوضع الذي تكون فيه المليشيا التابعة لها أقوى من الدولة، حيث يستطيع المسؤولون الإيرانيون التحدث عن التدخلات الخارجية بدون أن يعتبر تدخلهم خارجيا. وهذا المصير يبدو أكثر وضوحا في العراق، ويمكن أن يصل إليه اليمن وسوريا إذا سمحت القوى الوطنية والإقليمية لإيران بتقوية ميليشياتها في البلدين على الحكومة الشرعية.
وقالت المصادر إن وزير الخارجية الإيرانية "توقّف أمام ضرورة انتخاب الرئيس من زاوية أن إيران حريصة على الاستقرار في لبنان، وضرورة تضافر الجهود للحفاظ على التهدئة كشرط للتصدي للأطماع الإسرائيلية في ظل استمرار احتلالها لأجزاء من جنوب لبنان".
لكن الجهات الرسمية اللبنانية أبدت قلقها حيال دعوة عبداللهيان للبننة انتخاب الرئيس على خلفية قوله، بلا مواربة، بأن اللجنة "الخماسية" التي تضم في عدادها ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر منقسمة على نفسها، وأن من الأفضل أن يُترك انتخابه للبرلمان اللبناني، لعله يتوافق على مرشح يكون ترجمة لتلاقي الكتل النيابية حول اسم معين.
واعتبرت الجهات الرسمية أن ربط عبداللهيان انتخاب الرئيس بتوافق لبناني- لبناني ما هو إلا مقدمة تدفع بالدول المعنية بانتخابه للالتفات نحو طهران طلباً لمساعدتها، وأن مجرد تطرقه للانقسام بداخل اللجنة "الخماسية" يعني حكماً، من وجهة نظر المعارضة، بأنها تصر على حجز مقعد لها بإلحاقها بـ"الخماسية" ولو بطريقة غير مباشرة.
"أمن لبنان من أمن إيران"
وذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" التي أفردت تغطية موسعة لهذه الزيارة، أن الجهات الرسمية اللبنانية "لم تكن مرتاحة حيال ما أعلنه عبداللهيان من مطار رفيق الحريري الدولي، وفور وصوله إلى بيروت، بأن أمن لبنان من أمن إيران، خصوصاً وأنه كرر موقفه في بعض اللقاءات، أكانت رسمية أو سياسية، من دون أن يستفيض في تسليط الضوء على ما يقصده من قوله هذا".
وأضافت إن هذه الجهات وإن كانت تتجنّب تظهير موقفها للعلن، فهي لم تكن مرتاحة لربط الأمن اللبناني بأمن إيران، باعتبار أن مثل هذا الربط سيكون موضع قلق يتخطى الداخل إلى الخارج ويثير ريبة المجتمع الدولي، خوفاً من أن يكون ما أعلنه مقدّمة لإلحاق لبنان بمحور الممانعة، إلا إذا كان يقصد من إطلاقه لموقفه تفجير قنبلة صوتية لن يكون لها من مفاعيل أمنية.
وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن عبداللهيان دعا إلى تطبيق القرار الدولي 1701 بوصفه الناظم الوحيد لتحديد الحدود اللبنانية- الإسرائيلية من دون أن يخوض في التفاصيل.