رفَح.. الاختبار الأخير للعرب والضمير العالمي

العالم - Saturday 17 February 2024 الساعة 07:08 pm
المخا، نيوزيمن، خاص:

تواصل الحكومة الإسرائيلية استعدادها العسكري لاجتياح مدينة رفح مع استمرار جيشها في شن هجمات جوية ومدفعية على المدينة الصغيرة التي أصبحت الملاذ الأخير لسكان قطاع غزة النازحين من جراء العدوان الإسرائيلي على القطاع.

ورغم التصعيد المستمر لجيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على مدن وقرى قطاع غزة، وتجاوز عدد الشهداء من المدنيين 28 ألفاً من سكان غزة، تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال شحنات أسلحة متطورة للجيش الإسرائيلي. 

صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية ذكرت، مساء الجمعة، أن إدارة الرئيس جو بايدن تستعد لإرسال قنابل وغيرها من الأسلحة إلى إسرائيل لتعزيز ترسانتها العسكرية، وذلك على الرغم من تصريحات بايدن أنه يسعى من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. 

ونقلت الصحيفة، في تقريرها عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، أن شحنة الأسلحة المقترحة تشمل قنابل إم. كيه-82 وذخائر الهجوم المباشر المشترك كيه.إم.يو-572 التي تضيف توجيها دقيقا للقنابل وصمامات قنابل إف.إم.يو-139، مضيفة إن قيمة الشحنة تقدر بـ"عشرات الملايين من الدولارات".

وأشار التقرير، نقلاً عن مسؤول أميركي، إلى أن الإدارة الأميركية لا تزال تدرس الشحنة المقترحة، وقال المسؤول إن تفاصيل الاقتراح قد تتغير قبل أن تبلغ الإدارة زعماء الكونغرس الذين يتعين أن يوافقوا على الشحنة.

وكشف التقرير عن طلب نقل الأسلحة المقترح الذي صاغته السفارة الأميركية في القدس، أن الحكومة الإسرائيلية طلبت "الاستحواذ السريع على تلك الأسلحة للتصدي للتهديدات الإقليمية المستمرة والناشئة". 

في السياق، ذكرت وكالة رويترز أن وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين ووزارة الدفاع الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، لم ترد على طلباتها للتعقيب على هذا التقرير، فيما تشير تقارير سابقة إلى أن إدارة بايدن تفادت مراجعة الكونجرس بشأن مبيعات أسلحة لإسرائيل مرتين منذ ديسمبر 2023.

وواجهت الإدارة انتقادات لمواصلة توريد أسلحة إلى إسرائيل مع تصاعد الاتهامات بأن الأسلحة أميركية الصنع استخدمت في ضربات أسفرت عن مقتل أو إصابة مدنيين.

تناقض الموقف الأمريكي

وشهد الموقف الأمريكي تناقضات متعددة إزاء الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح التي تؤوي قرابة المليون ونصف المليون نسمة من سكان قطاع غزة، حيث انخفض اعتراض إدارة بايدن على شن هذا الهجوم إلى تحذير حكومة نتنياهو من مهاجمة المدينة الصغيرة قبل اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين. 

يكشف هذا التناقض التخبط الذي تعيشه إدارة بايدن في المنطقة العربية بعد أن تخلت عن حلفائها الاستراتيجيين لفترة من الزمن، وعدم إصغائها لتحذيرات الدول العربية من مخاطر السلوك العدواني لليمين المتطرف في إسرائيل، وهو السلوك الذي نتج عنه -بحسب مراقبين- هجوم السابع من أكتوبر على مواقع إسرائيلية من قبل حركة حماس.

ومنذ بدء العدوان الانتقامي لجيش الاحتلال الإسرائيلي ردا على هجوم حماس، سعت الدول العربية إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، لكن تعنت الحكومة الإسرائيلية وموقف إدارة بايدن الداعم لها حالا دون ذلك حتى اليوم.

محاولة توريط مصر

بالتزامن مع استعدادات إسرائيل لتنفيذ اجتياحها العسكري المعلن على مدينة رفح، تداولت وسائل إعلام غربية بينها وكالة رويترز أن مصر بدأت في تجهيز منطقة صحراوية على حدودها مع قطاع غزة وإسرائيل، لاستقبال النازحين من مدينة رفح، تمهيدا للاجتياح الإسرائيلي. كما تحدث مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية أنها تنسق مع مصر لشن هذا الهجوم الكارثي المرتقب على المدينة التي لا تتجاوز مساحتها 60 كيلومترا مربعا.

لكن الحكومة المصرية أعربت عن رفضها واستنكارها لهذه المعلومات المتداولة، وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، في تصريحات صحفية، الجمعة، إنه "لا صحة لتلك الدعاوى على الإطلاق". وأكد رشوان أن "مصر سبق أن أعلنت عشرات المرات، وعبر كل المستويات، بما في ذلك القيادة السياسية للبلاد، رفضها تهجير الفلسطينيين"، مضيفاً إن «موقف مصر ثابت ولن يتغير من هذه المسألة، ويرفض التهجير كونه يمس الأمن القومي للبلاد، ويعد تصفية للقضية الفلسطينية". وكرر التأكيد على أنه "لا صحة لما يتردد عن بناء مساكن لإيواء النازحين من غزة على أرض سيناء".

ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة أعلنت مصر والأردن بشكل متكرر رفضهما لتصفية القضية الفلسطينية، ورفضهما لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم باتجاه مصر والأردن، ومؤخرا تكررت تصريحات لمسؤولين مصريين رفض مصر لأي تهجير قسري أو طوعي للفلسطينيين. والأسبوع الماضي حذرت الدول العربية إسرائيل من شن أي عمليات عسكرية على رفح المكتظة بالسكان والنازحين، وهو التحذير الذي صدر من عدة دول حول العالم.

الاختبار الأخير

بعد تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي لمعظم البنية التحتية في قطاع غزة خلال الأربعة الأشهر الماضية، وإخفاقه في تحقيق هدفه المعلن المتمثل في القضاء على حركة حماس، يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تدمير الملاذ الأخير لسكان قطاع غزة. وفضلا عن هذا الإخفاق، عجز جيش الاحتلال عن تحرير الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، وساهمت عملياته العسكرية في مقتل عدد من الرهائن.

وفيما أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها الذي يدين إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، ما زال جيش الاحتلال مستمرا في عملياته العسكرية في مناطق جنوب ووسط قطاع غزة، بما في ذلك على المستشفيات المكتظة بالمرضى والجرحى والنازحين. وإذ يستمر الدعم الأمريكي لعمليات إسرائيل العسكرية في القطاع ولخطته في اجتياح مدينة رفح، فإن ذلك يعكس فشلا ذريعا للضمير السياسي الأمريكي في هذا الاختبار الإنساني لنزاهة السياسة الأمريكية إزاء أطول قضية احتلال في التاريخ الإنساني. كما يعتبر إخفاق الدول العربية في منع الهجوم الإسرائيلي على رفح، فشلا ذريعا لقادة الدول العربية في وضع حد لسلوك إسرائيل الوحشي، وفرملة السياسات الغربية الداعمة للاحتلال.

وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبوردينة، الجمعة، إن "الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح، ومحاولة تهجير المواطنين الفلسطينيين، لا يعفيان الإدارة الأمريكية من المسؤولية".

وأوضح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، أن "المطلوب من الإدارة الأمريكية هو إجبار الاحتلال على وقف مجازر الإبادة التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني، وآخرها ما حصل اليوم في مدينة رفح، وذهب ضحيتها 25 شهيدًا وعشرات الجرحى، والتي ستدفع الأمور إلى حافة الهاوية"، حسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".

ودعا العالم إلى "الوقوف صفًا واحدًا، لوقف هذا العدوان الإسرائيلي وشلال الدم الفلسطيني ووقف التهجير"، مطالبا الإدارة الأمريكية بالتحرك بشكل مختلف وجدي لوقف هذا الجنون الإسرائيلي الذي أدى إلى توسع ساحات الحرب في المنطقة، ويمهد لحروب إقليمية مستمرة.