نبيل الصوفي يكتب: لقلوبكم الصحة ولأرواحكم الحياة
تقارير - Thursday 06 June 2024 الساعة 08:33 amيا لطيف، لا شيء يثبت لنا أن الغيب وعالم الروح وما لا يمكن لمسه ورؤيته وتحديد ملامحه من مشاعر، هي شريكة كاملة لكل ما هو مادي في حياتنا وأجسادنا، كالصحة والمرض.
تتشارك مع الماء والهواء والغذاء تقاسم أعمارنا وتتحرك في شرايين وأوردة الجسد، تتقاسمه بيتا وموئلا، تؤثر فيه المشاعر كما تفعل مائدة أو رصاصة، ففي لحظة "شعور" عند منتصف ليل أربعاء، أحسست إثرها بوخزة في القلب، أحسستها كما أحس بشرغ أو عضى أو ما كان من أثر، وبعد 6 ساعات كنت بين يدي طبيبة محترمة في مستشفى خليج عدن، منعتني من كل حركة وبدأت رحلة "عربيات" النقل والإسعاف، كانت قررت نقلي مباشرة إلى المستشفى الألماني لولا دكتور آخر "غير محترم"، قال لها وأنا ممسك بقلبي أمامه: لا تحرمينا من الحالة، ساعتين ثلاث وسجل مستحقاته على الفاتورة ثم انتقلت إلى مستشفى آخر، ثاني وثالث.
الحمد لله، نجوت من جلطتين متتابعتين في الشريان التاجي.. ولا زلت قيد الملاحظة ممنوع من الانفعالات، ولم يكن لذلك من سبيل سوى القطيعة التامة عن الاتصال والتواصل، حتى أنجز ثالث قسطرة لإعادة فتح ما تبقى من آثار ما حدث على شرايين القلب، ولا يزال للحديث بقية..
ممتن لكل من مد روحي بطاقته المحبة، وسؤاله واهتمامه. وأسأله المعذرة لعدم الرد والتواصل.
وكل سؤال هو روح داعمه، فأرواحنا تستقوي ببعضها متجاوزة كل وحشة سببتها الأخطاء والصراعات والأطماع وغشاش الرؤى، وما هو حق أو باطل من كل ذلك.
أنا اليوم أحسن بكثير، غير أن الحوار لا يزال حادا بين مشاعري وانفعالاتي وشرايين قلبي، حتى استكمل الدعامات.
قضى الدكتور وليد عمار، أربع ساعات ونصف يعالج آثار ذلك في محيط "قلبي"، ومنعت عناية الله وأقداره الانتقال لعملية قلب مفتوح في آخر نصف ساعة.
كان طبيبا رحيما متفهما وصبورا، قال لي: نجاتك معجزة، وسرعة تعافيك معجزة أخرى.
وسط مساعدين وممرضين أكفاء، لكن هذه الكفاءة العلمية توجع كل شيء في جسد المريض.
لم يبق وريدا في جسدي إلا وبحثوا عنه، وعملوا عليه هالة داكنة، ومع أن هناك من يعمل أدواته في محيط قلبي، لكن كان هناك وجع يشتت بعضه بأيدي الفريق الطبي، وهو "يشكشك" غرزه في الأيدي والأقدام وصولا إلى الرقبة، ولأول مرة أعرف أنه يمكن أن تغرز "كانيولة" بل اثنتين في "الرقبة"، وأساله تعالى أن لا تتكرر لي، وأن يمد كل مريض موجوع بالطاقة والقوة كي يعين جسده على التحمل والاحتساب.
خطرت لي كل حوارات الأديان عن الحياة والموت، لم أشعر بالرهبة ولا بالقلق ولا فزعت إطلاقا مما قد يفعله المرض، أنا قلق من الحياة التي نتصارع معها كل يوم حول أصولنا الروحية والعقلية ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا ولا بأي حال ستتركها هذه الدنيا حين تتركها، أما الموت فهو عودة عظيمة إلى "الأصول"، أو هكذا نراه جميعا، فكل معتقدات البشر تعيد أجساد موتاها للتراب.
والله وحده يعلم، أين أرواح وعقول أحبائنا الذين سبقونا.. وكل مفقود حبيب لحي هنا أو هناك، كان سيئا أو كان صالحا.
بالموت لسنا سوى "أحياء" نحمل بعضا من روح الله، الواحد الأحد، لا فضل لدعي بالدين أو باللون او النسب أو القدرة المادية، ولا انتقاص من مشرد محروم.
كلنا "بعض من روح الله".
وما تعجز الحياة عن تنبيهنا له أو ما تورطنا به أصلا، من استعلاء على بعضنا، يحول التنوع والتعدد الإلهي المدهش إلى مشرط يقطع اتصالنا الجمعي بروح الله الواحد الأحد.
وهو جرح موجع للبشرية، بل لكل ذي كبد رطب، إذ يفصلنا عن هذه الواحدية العظيمة ويعيد تقسيمنا وفقا لأوهام أو ظروف، أو بسبب اعتلال عقلي أو انهيار أخلاقي.
حتى يعيدنا إليه الموت قسرا، "ذق أنك أنت العزيز الكريم".
فكلنا لآدم وآدم من تراب، كل واحد منا هو آدم وكل الحياة هي حواء وكلنا أمام طريقين، إما إدراك للواحدية وصونها بالتوحيد، وإما ضلال مبين يشرد الروح ويفتح أبواب الظلم والجبروت ويغرق في التفرد والفرعنة.
وكل ما ناله الواحد منا من امتيازات في الحياة هي اختبار بين يدي الموت، وقد خاب من حمل ظلما.
ووحده الشرك، لا يغفره الله، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وأخطر الشرك هو الاستعلاء وتحقير روح الله وقد تمثلت بشرا سويا، بآلاف وملايين المبررات، كلها طرق للشيطان، وأسوأها التي تدعي أنها مفضلة دون كسب واختبار بل قبل أن تخلق، هكذا بسبب عرق أو عائلة أو سلاله أو قدرة.
من يعجز عن إدراك ذلك، يوقفه الموت عند حده، أيا كان معنى إيمانه، واسم آلهته ووصف معتقده وما يملكه من ادعاءات وإمكانات.
الموت لا يترك لها كلها قيمة، بل هو عكس الحياة يحاسبك عليها كلها، ويقطعك عنها كلها إلا ما كانت "عملا متقبلا"..
سرحت بعيدا، وجمعت ما في جراب الحاوي، كأنما سرير المرض لم يفتح شرايين القلب وحدها، بل جر معها شرايين القلم، هذا الرفيق الذي يهبه الله لخلقه حقا، فمنهم سابق بالخيرات ومنا مقتصد وبعضنا ظالم لنفسه، وعند الله وحده الخبر اليقين.
أسعد الله صباحكم.. ورزقكم السلامة وأيدكم بالاحتسابِ