العُملة على خطى الجواز.. خطورة التراجع عن قرارات البنك المركزي

السياسية - Saturday 20 July 2024 الساعة 09:12 am
المخا، نيوزيمن، تحليل خاص:

مع غياب أي بيان أو تصريح رسمي، يتواصل الغموض حول حقيقة تراجع أو تجميد مجلس القيادة الرئاسي للقرارات الصادرة خلال الأسابيع الماضية من قبل إدارة البنك المركزي بالعاصمة عدن، مع وجود موقف شعبي وحزبي يحذر من خطورة التراجع عنها.

وفي حين كشف "نيوزيمن" في وقت سابق نقلاً عن مصادر حكومية باتخاذ مجلس القيادة الرئاسي، قراراً غير معلَن بالموافقة على طلب المبعوث بتعليق قرار البنك بشأن سحب تراخيص البنوك الستة، نقلت وسائل إعلام محلية عن مصادرها بتراجع مجلس القيادة الرئاسي عن جميع قرارات البنك وليس تجميد القرارات المتعلق بالبنوك المخالفة.

ومع عدم وجود تأكيد رسمي لذلك، إلا أن مواقف شعبية وحزبية لافتة حذرت خلال الأيام الماضية من خطورة التراجع عن هذه القرارات، وكان لافتاً التحذير الصادر عن الأحزاب والقوى السياسية المنضوية في إطار الشرعية في بيان لها من أن أي تراجع عن القرارات التي اتخذها البنك المركزي سيكون له "عواقب وخيمة على المركز القانوني للدولة.. وحرمان السلطة الشرعية من مصادر شرعيتها الدستورية والقانونية، السياسية والشعبية والأخلاقية".

تحذير الأحزاب من خطورة التراجع عن قرارات البنك على "المركز القانوني للدولة"، يُعيد التذكير بالسبب الرئيسي الذي دفع إدارة البنك إلى إصدار هذه القرارات الهادفة إلى فرض سلطتها على القطاع المصرفي في اليمن بشكل كامل ووقف عبث مليشيات الحوثي الإرهابية، على عكس ما يجري تصويره حالياً واختصار الأمر بالبنوك الستة.

فقرارات البنك وخطواته الأخيرة التي دشنها مطلع أبريل الماضي، جاءت كردة فعل على الخطوة غير المسبوقة التي أقدمت عليها مليشيات الحوثي الإرهابية منتصف شهر مارس الماضي بسك عملة معدنية من فئة الـ100 ريال، وهي خطوة اعتبرتها إدارة البنك المركزي في عدن بأنها "تجاوز لكل الخطوط الحمراء".

وهو ما أكدت عليه بيانات البنك وتصريحات محافظه أحمد غالب المعبقي منذ اليوم الأول، لتوضيح ملابسات وأسباب اتخاذها لهذه القرارات، حيث كانت تُشير دائماً الى سلسلة الممارسات العبثية التي مارستها مليشيات الحوثي بحق القطاع المصرفي منذ قرار نقل إدارة البنك المركزي إلى عدن منتصف عام 2016م، إلا أنها تشدد أن قرار سك العملة المعدنية من قبل المليشيا مثل تجاوزاً لكافة الخطوط الحمراء، ويجب أن لا تمر.

حيث ترى إدارة البنك المركزي بأن القبول بخطوة المليشيا في سك عملة محلية يمثل نسفاً لأهم سلطة دستورية وقانونية يحتكرها البنك المركزي في أي دولة بالعالم المتمثل بحق إصدار وسك العملة المحلية ومنحها شرعية التداول والقبول محلياً وخارجياً.

وما يضاعف من خطورة الأمر، هو التهديد الذي أطلقته إدارة البنك المركزي في صنعاء التابعة لجماعة الحوثي عقب سكها للعملة المعدنية بأنها تدرس خيار طباعة عملات ورقية من العملة المحلية المتداولة بمناطق سيطرتها خلال الفترة المقبلة.

وهو ما دفع بمحافظ البنك المركزي بعدن أواخر مايو الماضي إلى إصدار قرار لا يقل أهمية عن قرار البنوك التجارية والمتعلق بدعوة المؤسسات والأشخاص إلى إيداع العملة المحلية المطبوعة قبل عام 2016م وهي العملة المتداولة بمناطق الحوثي خلال ستين يوماً تنتهي بنهاية يوليو الجاري، تمهيداً لإلغائها.

وترى إدارة البنك المركزي في عدن بأن استمرار تحكم المليشيا الحوثية بالقطاع المصرفي في اليمن من خلال بقاء مقرات أهم البنوك التجارية وشبكات التحويل الداخلية ووكلاء شبكات الحوالات الخارجية في صنعاء، يمكن المليشيا من شرعنة أي عملات محلية ستقوم بطباعتها.

وكان واضحاً في هذا السياق قرارات البنك المركزي بعدن الخاصة بإلغاء شبكات التحويل المحلية وإلزام كافة البنوك وشركات ومنشآت الصرافة بالربط عبر شبكة الأموال الموحدة التي يشرف عليها، وكذا قراره بفرض الحصول على ترخيص منه لوكلاء الحوالات الخارجية.

وتتثمل كارثية شرعنة طباعة العملة المحلية لمليشيا الحوثي بمنحها مصدرا هاما لتمويل حربها الداخلية ضد اليمنيين، كما أنه سيعمق من انهيار العملة المحلية ذات الطبعة الجديدة بالمناطق المحررة، مع بقاء وضع الانقسام المشوه للعملة المحلية.

حيث تستمر المليشيا الحوثية بحظر التعامل مع العملة المحلية الصادرة عن البنك المركزي بعدن في مناطق سيطرتها، في حين لا تزال العملة القديمة متداولة بالمناطق المحررة وإن كان نظرياً إلا أنها تظل رقماً بالكتلة النقدية في المناطق المحررة في ظل بقاء النظام المصرفي موحداً.

وهنا تبرز خطورة التراجع عن قرارات البنك المركزي من خلال منح الضوء الأخضر لمليشيا الحوثي بطباعة كميات كبيرة من العملة المحلية، وما يعني ذلك من تنازل مجاني وكارثي يُشكل ضربة جديدة نحو المركز القانوني للدولة التي يمثلها مجلس القيادة الرئاسي وحكومته.

وهو ما يعيد التذكير بخطوة سابقة أقدم عليها المجلس بالتنازل الخطير المتمثل بشرعنة جوازات السفر الصادرة عن مليشيات الحوثي بضغوط أممية ودولية تحت مبرر "الدواعي الإنسانية" وتحت لافتة تسهيل تنفيذ بند فتح مطار صنعاء الخاضع لسيطرة المليشيا وهو أحد بنود الهدنة الأممية التي تم الإعلان عنها مطلع أبريل من عام 2022م.

وتجسدت خطورة هذا التنازل، مؤخراً من خلال ما قامت به مليشيات الحوثي الإرهابية أواخر الشهر الماضي باختطاف 4 طائرات تابعة للخطوط الجوية اليمنية للضغط على الحكومة الشرعية والتحالف بفتح كامل لمطار صنعاء والمطارات الخاضعة لسيطرتها. 

وهي خطوة لم تكن المليشيا لتقدم عليها في حالة عدم انتزاعها شرعنة جوازات السفر الصادرة عنها، وتضغط اليوم نحو تكرار سيناريو الجسر الجوي الذي أقامته بين مطار صنعاء وبين مطارات إيرانية عقب سيطرتها على صنعاء في سبتمبر 2014م.

تجربة تضع اليوم الحكومة والرئاسي أمام صورة واضحة لخطورة التماهي مع المطالب أو الضغوط الأممية والدولية في تقديم المزيد من التنازل التي تهدد المركز القانوني للدولة تحت ذرائع "الدواعي الإنسانية"، في حين أن ضررها الحقيقي على الواقع الإنساني لليمنيين أكبر بكثير من ضرر رفض هذه التنازلات وفرض سلطة الشرعية في مواجهة عبث المليشيا.