"يافع" كتاب السيطرة على اليمن من البحر الأحمر إلى بحر العرب

السياسية - Sunday 21 April 2019 الساعة 11:02 pm
عدن، نيوزيمن، خاص:

إن كان تحالف خيام فبراير 2011 قد أظهر توحّداً في جماعات الإسلام السياسي، على الأقل في الهدف والتوجه.. فإن اندياح سيول المليشيات الحوثية من كهوف صعدة في العام 2014م أظهر أن القبيلة اليمنية تصبح هي المواجه الأول للتيارات الدينية المتطرفة بعد انهيار الدولة.
فقد كانت القبيلة، شرقاً وجنوباً، هي أول من رفع السلاح في وجه المد الحوثي بترسانته العسكرية التي نهبها من مخازن الدولة.

يافع.. أولى حواجز الصّد القبلية

تعد "يافع" إحدى كبريات القبائل اليمنية على امتداد 9 مديريات تتوزع بين ثلاث محافظات تتبع غالبيتها إدارياً محافظة لحج.

وقد مثلت يافع، بموقفها الشجاع وتكاتف أبنائها، أنموذجاً فريداً في مواجهة العدوان الحوثي ورفض الاستقواء بسلاح الدولة لفرض واقع جديد.

قرع طبول الحرب

في مطلع العام 2015م خطط الحوثيون انطلاقاً من محافظة البيضاء لفتح جبهتين: الأولى باتجاه أبين، والثانية باتجاه لحج.. فأعلنت قبائل يافع -التي يُعرف عنها توحدها عند المصائب- حالة التأهب القصوى استعداداً لمواجهة مليشيات الحوثي التي كانت، حينها، تخوض اشتباكات مسلحة مع بعض القبائل في مديرية ذي ناعم على بُعد نحو 12 كيلومتراً منها.

وصاب وتهامة.. قصَّة الجبل والبحر

وبحسب أبناء يافع، فقد راسل زعيم المليشيا ”عبدالملك الحوثي“، قبائل يافع المتمركزة في جبل ”العر“، في سبيل استقطابها إلى جانب جماعته، لاسيما بعد سيطرة مسلحيه على مديرية ”الزاهر“ القبلية في محافظة البيضاء القريبة من يافع، مماثلاً بين هذه المراسلات ومراسلات البريطاني ”هينس“ مع شيوخ قبائل يافع أثناء الاحتلال البريطاني لعدن.

كان الرد على الحوثي في فبراير 2015م بإعلان ﺍﻟﻌﺸﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻳﺦ ﻭأﻋﻴﺎﻥ ﻣﺪﻳﺮﻳﺎﺕ ﻳﺎﻓﻊ ﺍﻟﺜﻤﺎنية عن الاﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻟﻠﺘﺼﺪﻱ ﻷﻱ ﺗﻘﺪﻡ ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ في بيان صادر عن ﻟﻘﺎﺀ ﻗﺒﻠﻲ موسع.

كما ﺗﻢ ﺍﻻﺗﻔﺎﻕ ﻟﻠﻤﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﻭأﻧﺼﺎﺭ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ (الذريعة الحوثية للتمدّد)، مؤكدين الرفض القاطع لأي تواجد لهم، ﻭأﻥ ﻳﺎﻓﻊ ﻟﻦ ﺗﻘﺒﻞ أﻱ ﺗﻮﺍﺟﺪ ﻟﻠﻤﺘﻄﺮﻓﻴﻦ.

اتفقت "قبائل يافع ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺣﺪﻭﺩها ﻭإﻏﻼﻗﻬﺎ أﻣﺎم أﻱ ﺗﻤﺪُّﺩ، كما وقفت ضد بعض المغرر بهم من أبنائها، مشددة على أن من يتواطأ مع الحوثي فإن مصيره القتل، وفقاً لأعراف تلك القبائل“.

جبل العر... حكاية الحصانة

ومع أن يافع منطقة ذات تضاريس قاسية ووعرة تمتد على سلسلة جبلية كبيرة، إلا ان جبل "العر" بمحافظة لحج اكتسب أهمية استثنائية بين مناطقها، فالجبل الذي كان مقراً لأحد معسكرات الحرس الجمهوري حتى عام 2011م ذو موقع استراتيجي، وهو بمثابة القلعة الحصينة التي بإمكانها صد مسلحي الحوثي.

إن تمكن الحوثيون من هزيمة قبائل يافع المتجمعين في ”العر“ فإن ذلك يعني فتح البوابة لدخول الحوثيين إلى محافظات جنوب اليمن، كـ“عدن“، ولحج وأبين؛ لذا بات هذا الجبل من بين أكثر المناطق تداولاً في وسائل الإعلام، كون قبائل يافع بدأت تتجمع في محيطه، استعداداً لمواجهة مسلحي الحوثي القادمين من جهة محافظة البيضاء.

منطقة صغيرة بمحافظة البيضاء اليمنية في بؤرة اهتمام العالم.. لماذا "يكلا"؟!

وعندما بدأت مليشيا الحوثي بالتحرك نحو 2 كيلومتر من الزاهر صوب مديرية الحد أولى مديريات لحج، ﺗﺤﺖ ﻣﺒﺮﺭ ظاهره ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ وباطنه السيطرة على معسكرات الجيش، كانت جميع قبائل المديرية اليافعية في حالة استنفار استعداداً للمواجهة المسلحة المرتقبة.

ويصف نبيل الصلاحي، وهو أحد أبناء يافع، المشهد بالقول ”بعد سيطرة الحوثيين على مديرية الزاهر بمحافظة البيضاء، وهي منطقة متاخمة ليافع، استنفر أهلنا واستحدثوا مواقع في جبل العُر المطل على البيضاء، وباتوا من يومها يحرسون بالتناوب على مدار 24 ساعة على طول الحدود بين البيضاء ويافع تحسباً لأي محاولة اختراق حوثية.

ابعد عن يافع.. تهزمها

يرى الكاتب عبدالسلام بن عاطف جابر، أنه في استراتيجيات القتال يصبح التركيز على قوة الارتكاز والتي تسمَّى في العسكرية center of graving ويافع هي مراكز الثقل للقدرة القتالية.

لكنه يؤكد في المقابل أن كل حروب يافع عبر التاريخ لم تكن على يافع، كانت في أماكن أخرى "لحج وعدن وحضرموت"، والحوثي يعرف هذه الحقيقة، وقد يكون هجومه على يافع ما يوصف عسكرياً بالهجوم الصوري Feint Attack "هجوم يتم في اتجاه آخر غير الاتجاه الرئيسي بغرض خداع العدو عن اتجاه الهجوم الرئيسي"!!

مكاتب "عرين يافع"

‏تتكون يافع من مكاتب، وهو تقسيم فريد في اليمن بكلها.. ووفق تجارب التاريخ فإن الدخول في صراع مع قبائل يافع أو السيطرة عليها يكلف كثيراً، لكنه إن تحقق دانت له البلاد من ساحل البحر الأحمر إلى بحر العرب.

فهذا أحمد بن الحسن "صاحب المواهب" وكان قائداً فذاً للجيوش، لم يذكر التاريخ اليمني شبيهاً له بشجاعته وحنكته العسكرية؛ استطاع دخول يافع وكسرها منتصف القرن السابع عشر الميلادي، وبعد هزيمة يافع استسلمت كل بلاد المشرق من باب المندب إلى ظفار "تقع في دولة عمان"، واستمرت سيطرته على يافع عشرين سنة.

ثم انطلقت الثورة من يافع، وكانت إعلان كسر حكم الدولة المتوكلية، فتم طردهم من كل البلاد بما في ذلك تعز وإب، وعرف الأئمة أن المغامرة بدخول يافع تعني نهاية الدولة فلم يجرؤ أي إمام على الاعتداء عليها.

ثمَّ جاء الانجليز؛ وسيطروا على الجنوب العربي ونشروا قواتهم ووصل ضباطه كل إمارات الجنوب العربي باستثناء يافع لم يقتربوا منها.

الحوثيون.. ثمن الجهل

عندما جازف الحوثيون بالوصول إلى مناطق يافع في فبراير 2015م كان ذلك إعلاناً ببداية انهيارهم وانحسار رقعتهم ليس من يافع فحسب بل من الجنوب، لاسيما مع إعلان انطلاق عاصفة الحزم من قبل التحالف العربي وبدء عملياتها العسكرية والتي كان الإسناد الجوي أهم تفاصيلها بعد شهر من الصمود الأسطوري لأبناء يافع أمام الآلة الحربية للمليشيات.

> البيضاء.. 17 وحدة مقاتلة تسيطر على 5 مديريات تاركة 9 للحوثي

وما هي إلا أسابيع قليلة حتى انتقلت قبائل يافع من الدفاع إلى الهجوم ليأتي شهر مايو بالنصر المؤزر على مليشيات الحوثي العدوانية، فتبدأ محافظة لحج بالتطهر من رجسهم لتتبعها بقية المحافظات.

وبعد معارك عنيفة خاضها أبطال يافع وصل المقاتلون إلى مشارف مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج بعد أن أحكموا سيطرتهم على منطقة بين عياض تمهيداً لاقتحامها وتطهيرها من ميليشيا الحوثي، كما تمكنت القوات من فرض سيطرتها على مناطق الفيوش، وصبر، والوهط، والمناطق والقرى الشمالية لعدن.

فتناثرت جثث العشرات من مقاتلي جماعة الحوثي على الشوارع إثر المعارك الشرسة التي اندلعت في لحج، وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، حينها، صوراً لجثث ملقاة في شوارعها، قالوا إنها لحوثيين لقوا حتفهم بفعل المواجهات وغارات التحالف التي استهدفت مواقعهم أمام المرافق التي كانوا يتمركزون فيها من خط الرجاع الوهط إلى صبر إلى مفرق الحوطة.

لتتوالى الأنباء الواردة من جبهات القتال في محافظة لحج بانهيار تحصينات جماعة الحوثيين في محيط قاعدة العند الاستراتيجية، وتقدّم أبناء يافع وبقية المقاومة الشعبية، بمساندة غطاء جوي من طيران التحالف.

تلتها عمليات نوعية لأبناء يافع بتنفيذ التفافات عسكرية مدروسة على ميليشيات الانقلابيين الواصلة بين لحج وعدن، وطهرت مناطق واسعة منها، وتم خلالها تدمير عدد من الآليات العسكرية التابعة لميليشيات الحوثي، وقتلت وجرحت العشرات منهم، فيما غنمت عدداً من الآليات العسكرية والذخائر المتنوعة.