د. صادق القاضي
"القوات المشتركة".. من "استوكهولم" إلى مقبنة وجبل راس.!
لطالما كانت "القوات المشتركة" رقماً نوعياً صعباً فاعلاً مؤثراً في تشكيل وتغيير المشهد العسكري والسياسي في اليمن، لصالح الهوية اليمنية، والمشروع الوطني والكينونة الجمهورية..
وقد أثبتت ذلك منذ البدء. في عقيدتها الوطنية، وكيانها الصلب المتمثل لمختلف تنوعات الشعب، وقيامها خلال فترة قصيرة للغاية، بتحرير مناطق واسعة في الساحل الغربي. من باب المندب إلى عمق مدينة الحديدة..
أربك ذلك المشهد السياسي والعسكري برمته، وأجبر الحوثيين. حينها ولأول مرة منذ بداية الحرب، على رفع الراية البيضاء، والالتجاء للمجتمع الدولي الذي سرعان ما تدخل لكبح جماح هذه القوات وإجبارها على الالتزام بخطوط حمراء اتفقت عليها الشرعية والحوثيين في استكهولم.!
كانت القوات المشتركة يومها في ذروة انتصاراتها وطموحاتها العسكرية، وعموما لم تنهزم هذه القوات عسكريا حتى اليوم، وإن دخلت في ما يشبه البيات العسكري التزاما بقيود تلك الاتفاقية التي تحللت منها مؤخرا بذكاء. بانسحابها المدروس من مناطق جنوب الحديدة ضمن إعادة "التموضع".
للأمانة.. لم تكن هذه الخطوة مفهومة بالنسبة لي، ولكثير من اليمنيين الذي تفاجأوا بشدة قبل أيام من هذا الانسحاب، ولم يقتنعوا بالمبررات التي أعلنت بشأنها تحت عنوان "إعادة التموضع" في الساحل الغربي.!
كانت خطوة مفاجئة للجميع، انتقدها كثيرون بدوافع سليمة، لقد بدت مخيبة للآمال، وفي أحسن الأحوال بدت كرضوح من هذه القوات لضغوط قاهرة مفروضة عليها من قبل أطراف دولية. كاتفاقية استوكهولم تماما.!
أثار الانسحاب أيضاً عاصفة من الفرح اللئيم، والشماتة والتهكم المغرض من قبل أطراف معروفة، ذات سجل طويل من الهزائم والانتكاسات و"الانسحابات التكتيكية" الممتدة من نهم على مشارف صنعاء إلى بيحان في قلب محافظة شبوة، مرورا بالجوف والبيضاء ومعظم مديريات مأرب!
هدف هذا التهكم والشماتة والنيل الإعلامي من القوات المشتركة. هو:
- أولاً: التغطية على هذه الهزائم والانسحابات الفاضحة التي ما تزال متواصلة. أو محاولة تبريرها، كما لو أن كل الانسحابات سواء وتبرر بعضها.!
- وثانياً: كحلقة جديدة من مسلسل طويل ممل قذر لتشويه صورة خصم يخافون من تألقه وشعبيته المتزايدة.
بالنسبة لي. يعجبني طارق صالح: رجل عسكري محترف مقدام، وسياسي متزن لا ينخرط وراء المهاترات والمعارك الصغيرة، ولا تعجبه حفلات البذاءة السائدة. ويمد يد التصالح والشراكة الوطنية للجميع.
كذلك القوات المشتركة في بنيتها وأدائها وانضباطها.. فهي نسيج مختلف لا مجال لمقارنته بتلك القوى التي أتمنى أن تحذو حذوها، أو على الأقل أن يكف القائمون عليها أذاهم عن شركائهم في القضية والسلاح، أو كما قال الشاعر بلسان الحال:
أقلـوا عليهـم لا أبــا لأبيـكـمُ .. من اللوم أو سُدّوا المكان الذي سدّوا
أولئك قومٌ إن بنوا أحسنـوا البُنـى .. وإن عاهدوا أوفوا، وإن عقدوا شدّوا.
في كل حال -ولسببٍ مفهوم بعد إعلان التحالف عن وقوفه وراء عملية "التموضع" ومسئوليته عنه- خف طنين الذباب الإلكتروني الذي كالعادة يشوش الرأي والرؤية، ويزيف الوقائع والحقائق ويميع القضايا ويشوه القيم النبيلة..
ثم خرس تماماً تقريباً بعد الانتصارات الكبيرة المتسارعة التي تحققها القوات المشتركة حالياً في الساحل الغربي، وهي انتصارات تأتي ضمن توجه وتحرك شامل طموح جبار.. لا خوف عليه إلا من تواطؤ الشرعية والمجتمع الدولي، لتقييد هذه القوات باتفاقية تشبه اتفافية استكهولم.