بعد أقل من شهرين على إجباره التخلي عن سدة الرئاسة بعد أن تحولت هزائمه إلى بلاء أنهكت المجتمع وأضاعت بوصلة المعركة، أصبح "هادي" طي النسيان، لم يعد أحد يتذكر هذا الرجل بشيء إيجابي، وليس هناك شيء يمكن أن يلتمسه أحد ليذكره هذا الرجل بإنجاز حققه طيلة جلوسه على كرسي الرئاسة وحكم البلاد التي ساهمت سياساتها وفساده الكبير في تشظيها وتعميق جراحاتها وفكفكة بنيان دولتها التي استلمها وسلّمها للحوثية الإرهابية.
الوحيدة هي الجماعة الحوثية التي ربما غشاها الحزن على عزل "هادي" لأنها كانت تنظر إليه صانع انتصاراتها التي امتلكتها بأقل الخسائر، كانت تنظر إلى فساده وحاشيته حصان طروادة التي من خلاله غرست خنجرها الإيراني في ناصية اليمنيين واستحلّت دولتهم وهدمتها وأقامت على أنقاضها سلطة طائفية، بينما بقي "هادي" ينظر من شرفة الفندق إلى دماء اليمنيين بهدوء غريب، لهذا الأمر أصبح هذا الرجل من الماضي ولم يعد يُذكر على ألسنة الناس على الرغم من حداثة الوقت الذي تم فيه عزله وإنهاء سيطرته على الشرعية.
بقي علي عبدالله صالح يُذكر على ألسنة الناس بالحنين إلى عهده، والتوق إلى عودة أيام حكمه بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات، اتفق الناس حوله واختلفوا كثيراً، لكنه بقي أملاً للخروج من هذه الحرب بأسرع وقت ممكن، وحتى استشهاده تبعته دعوات الرحمة من كل بيت ومدينة، فالمقارنة بين "صالح" و"هادي" صعبة للغاية، لأن وبعد مرور أقل من شهرين على رحيل هادي لم يعد يُذكر، وانصرفت الناس إلى مجلس القيادة الرئاسي بكل أمل أن يحقق ما لم يتمكن "هادي" من تحقيقه واستعادة الدولة.
ولأن "هادي" عجز حتى أن يكوّن له نفوذاً في أوساط المجتمع أو القبائل الجنوبية، ذهب في نسج علاقات مع قيادات مكنته من الفساد، وقرّب بعض الأحزاب والأشخاص منه ليتمكن من الاحتماء والمواجهة بهم لإبقائه على كرسي الشرعية، كالجنرال علي محسن الأحمر هذا الرجل الذي قرّبه هادي وجعله نائبه، لما له من نفوذ قبلي وهيمنة على المجاميع القبلية والتنظيمات الإرهابية التي يقودها في الجنوب وتعمل ضمن سياساته وأهدافه، لذلك كان قربه من "هادي" كنائب له مكنه ذلك من التغلغل أكثر وإدارة الشرعية والمعركة في الاتجاه الذي يخدم مصالحه إلى جانب قيادات إخوانية كانت مستفيدة من اكتفاء "هادي" بالفساد وجني الأموال، وبسيطرة الجنرال على مفاصل الشرعية وامتداد نفوذه إلى الميدان والقبيلة.
النفوذ الذي يمتلكه الجنرال الأحمر داخل المجاميع القبلية والتشكيلات العسكرية وخاصة التي أنشأتها جماعة الإخوان، سيبقى خطراً على مجلس القيادة الرئاسي، لأن الجنرال بعد عزله واستبقائه إلى جوار "هادي" سيعمل على أن ينتقم لقرار عزله الإجباري، هذا الانتقام الذي سيتحول إلى عوائق كبيرة أمام تقدم مجلس القيادة الرئاسي لإعادة ترتيب الشرعية وتوحيد جهودها لاستعادة الدولة وصنعاء بكل الوسائل الممكنة، حيث يمتلك القدرة على تحريك ملف الإرهاب وعناصر تنظيم القاعدة في الجنوب، ويمتلك القدرة على أن يستخدم بعض المجاميع القبلية في الشمال والتي يغدق عليها بالأموال لإحداث بلبلة سواءً في مأرب أو في مناطق أخرى، ولا يزال يمتلك أيضاً القرار على القوات العسكرية المتواجدة في حضرموت نظراً لأن تلك القوات تدين له بالولاء فأي إيعاز منه إليها بشكل مباشر أو غير مباشر فإنها ستكون طوع أوامره.
البحث عن المال والنفوذ يجريان في دماء الجنرال الأحمر الذي بلغ من العمر عتيا، لا يستطيع الانفكاك من رغبة السيطرة، ففي كل مراحل حياته في الدولة هو يثير المتاعب والمشاكل والحروب من أجل السيطرة والمال والنفوذ، ولم يتوقف أمام أي مبادئ أخلاقية أو وطنية تصده عن خوض الحروب وممارسة الإرهاب للحصول على مكاسب سياسية أو مالية أو تقوية نفوذ، ولهذا الأمر سيبقى الجنوب هو المحطة الأكثر استهدافاً من قِبل الجنرال الأحمر، كونه مصدرا للثروة وخاصة تسويق النفط والغاز عبر شركات تدر عليه ملايين الدولارات.
بقاء علي محسن الأحمر في المملكة العربية السعودية لن يوفر الأمان لمجلس القيادة الرئاسي، حيث ذلك سيمكنه من البقاء في اتصال وتواصل دائم مع قيادات عسكرية وقبلية موالية له في الداخل، تنفذ خططه ومشاريعه وتعرقل كل ما يمكن أن يضر مصالحه الشخصية في الجنوب أو في الشمال، لذلك يجب على الرياض أن تدرس إخراج الجنرال الأحمر من أراضيها وتخييره في الرحيل إلى إحدى الدول الأوروبية بعيداً عن التدخل والتأثير في مشروع استعادة الدولة، فبقاؤه في الرياض يشكل خطراً كبيراً على عمل مجلس القيادة الرئاسي ويشكل خطراً على التوجه والسياسة السعودية في تمكين اليمنيين من استعادة دولتهم وإعادة ترتيب بيت الشرعية الذي هدمه "هادي" ونائبه الجنرال الأحمر، وتحييد الدور الإيراني التخريبي في اليمن والمنطقة.