لجانُ أمنٍ وحُرّاسُ فضيلة متشددون، وقائمة من الممنوعات، ترتيبات خاصة وشروط مجحفة لا تحدث حتى في معسكرات التدريب أثناء أداء الخدمة العسكرية بعد الثانوية.
هكذا هو الحال مع "نادي الخريجين"؛ المسمى البائس والجهة الخائبة التي حفرت اسمها في وجوه الطلبة، وتصدر المشهد ليصبح حديث الساعة في وسائل التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار والمواقع الإلكترونية خلال الأيام القليلة الماضية.
كل يوم يظهر فيديو جديد وقصة جديدة أبطالها عائلات تحاول أن تبتهج بأبنائها الطلاب، ولجان تصر على أن تفسد هذا المشهد وبصورة مقززة.
اللجان التنظيمية في مثل هكذا حالات لها مهام وصلاحيات معروفة ومحددة واماكن معلومة ولا تحمل أي نوع من الأسلحة إلا في الإطار الضيق طالما أننا في حفل تخرج ولسنا في كمين أمني لتجار ممنوعات أو جماعات إرهابية أو مهربين.
الأمر الأكثر غرابة أن كل القائمين على هذا النادي ودون استثناء غير مؤهلين وإذا ما قيمنا فقط قدراتهم في الإملاء من خلال منشوراتهم مقارنة بالموقع الذي يشغلونه فهو 10/1، فما بالك حين يتعلق الأمر بزغرودة أو ضحكة مرتفعة أو عقد من الفل أو مقطوعة موسيقية كيف ستكون ردة الفعل.
الغريب أنهم احتكروا قاعات بعينها لإقامة الحفل، كل ذلك من أجل أن تصل حصتهم من الرسوم التي تدفع أولا بأول من جميع الأطراف الفاعلة والمتفاعلة.
من الصعب كطالب انتظر أربع إلى خمس سنوات من الدراسة أن تتقبل طرفا يأتي ليلزمك بطريقة حفل معينة، تصل إلى حد أن يتحكم بقصة شعرك وألوان ملابسك، ويمنع عنك كافة الأدوات المبهجة.
المعيب أن ذلك يتم مع الفتيات في ظل وجود كافة أفراد العائلة، الأب الأم الأخ الأخت وأحيانا العم والخال والأنساب وربما الزوج والخطيب ثم يأتي أفراد اللجنة يبدأون بفرز ما يجب وما لا يجب وتحديد الزوائد والنواقص لدى الخريجات.
تلك التعليمات غير الشروط التي تم فرضها سلفا والاتفاق عليها؛ مثلا ممنوع عقود الفل وبواكي الورد والزغاريد ومناكير أظافر الأيدي والأقدام ممنوع أن يكون باليطو التخرج قصيرا ولو 3 سم، البخاخات التي يتم رشها على رؤوس الخريجين وفي الهواء، الأغاني، الرقص حتى النشيد الوطني الذي يتم أحيانا على مضض.
بتلك الصورة حول مجموعة من المراهقين الذين ابتدعوا لأنفسهم مسمى "لجنة الخريجين" مناسبة عادية، إلى حدث مغلق كأنك في إحدى معسكرات النازية في الحرب العالمية الثانية.
وهنا الحقيقة استوقفتني كمواطن يمني وخريج سابق، ابتهج بكل الأشكال المتاحة يوم التخرج؛ دور الأكاديميين والطلاب الذين استسلموا لكل هذا العبث وحتى أولياء الأمور طيلة الفترة الماضية، صحيح أن هناك إشكالات وضغوطات الجميع يعرفها ويتماشى معها لكن هناك مسائل لا تقبل التمرير والصمت.
الإيرانيات عندما شعرن أن مقتل فتاة لمجرد أنها قررت أن تسير وقليل من شعرها مكشوف إهانة خرجن بالملايين، قمن بقص خصلات وأجزاء من شعرهن تضامنا ورفضا لهذه التجاوزات، سجلن موقفا وأوصلن رسالة للعالم الذي يحمل وجهين وجها للنفاق وآخر للمهادنة لأن هناك ما هو أهم من الإنسان؛ المصالح المشتركة، والملفات الثقيلة المتعفنة.
على كل الأمر شمل حفلات البراعم في المدارس الأهلية والحكومية والبازارات ومعظم المناسبات حتى الأطفال لم يسلموا من هذه الأفكار والعقليات المليئة بالتسوس والأمراض الذهنية وحتى إقامة حواجز بناء في قاعات المحاضرات بين الجنسين، هل هناك انفصام أكثر من هذا.
طبعا هناك العديد من التفسيرات التي يمكن أن نبني عليها هذه الأطر التي تم استحداثها منذ سيطرة ذراع إيران على البلد منها محاولة إحداث مسار جديد يتوافق مع مشروعها السياسي العقائدي بالتدريج وبدون أن يشعر به الناس، يحمل طابعا دينيا أخلاقيا هدفه تغيير السلوكيات التي يعتقد من وجهة نظره أنها باطلة وأنها تتعارض مع أخلاق اليمنيين وقيمهم ومن هذه الهرطقات.
الأمر الآخر الجانب المالي الذي نضجت أفكاره بشكل واسع لدى هذه الجماعة، فأي شخص أو شلة وجدت فكرة ما قامت بتطبيقها الهدف منها مالي بحت، إلى جانب السوق السوداء والإتاوات ونهب الموارد والجمارك المضاعفة والضرائب المبالغ فيها والواجبات والمجهود الحربي ودعم إقامة المناسبات الدينية والسياسية والطائفية.
هدف آخر هو محاولة تكييف الناس والمجتمع ككل على أنمط معينة ومهينة للإنسان كقيمة ومحور يتفاعل مع الحدث والحركة الدؤوبة؛ دون استشعار ذلك من قبل هؤلاء فهذه البديهيات والمعطيات كبيرة على تفكيرهم.
وإلا الأولى هو البحث عن فرص عمل للخريجين، تقديم الخدمات الضرورية ودفع السلطات القائمة إلى الاهتمام بالجانب الصحي صيانة مشاريع الكهرباء والمياه والبنى التحتية.
نحن أمام جماعة كرست خلال ثمانية أعوام عددا من الحيل والقوانين والأنماط التي تتصادم مع بيئة الناس وعاداتهم ومعاملاتهم فقط من أجل أن تقول "نحن هنا" وأي شيء يؤخر النصر يجب إزالته.
الغريب أنهم لا يقيمون وزنا لأي قيمة، يمكن لهم الاعتداء بالضرب على معلمة أو طالبة أو مدرس جامعي أو في مدرسة أمام الطلاب والكاميرات، أو اقتحام منزل وضرب الأم والأب أمام أولادهم دون أن تحرك هذا المشاهد مشاعرهم مثلما يحرك مشهد طالب أراد معانقة أمه أو أخته أو زوجته في لحظة فرح.
هكذا هي مقاييس الجماعات الدينية لا تخضع لأطر وقوانين وعقود اجتماعية شاملة تقوم على التوازن بين السلطة والمجتمع، بقدر ما تحاول جاهدة تنفيذ رغبات السلطة من بوابة الحلال والحرام على أن ذلك كل شيء.