فهمي محمد
في ذكرى رحيله.. عبد الحبيب سالم المثقف الفرداني والموقف النقدي
نستطيع القول إنه في حكم النادر أن تحول المثقف اليمني أو الكاتب إلى موقف نقدي سياسي واجتماعي يطارد الحقيقة بكل تجرد ومسؤولية وطنية. ناهيك أن هذا المثقف حين يعمل على مطاردة الحقيقة بكونه كاتباً ملتزماً بوعيه النقدي تجاه الواقع السياسي والاجتماعي السلبي، يتحول إلى قلم خالد في ذاكرة الأجيال القادمة كما هو حال الكاتب الراحل عبد الحبيب سالم مقبل.
ما يعني أن مثل هذا المثقف يشكل للأجيال المتعاقبة حالة إلهام نضالي ووطني في معركة المستقبل حتى بعد رحيله عن عالم الدنيا خصوصاً فيما يتعلق بمعركة الوعي المجتمعي تجاه المسألة السياسية التي تشكل أكبر الحلقات المفقودة في تاريخنا السياسي الحديث الذي شهد خلال ستة عقود فقط ثلاث ثورات ووحدة دون تحقيق مسألة الخلاص التاريخي التي تصنعها فكرة التغيير الثورية.
عبد الحبيب سالم مقبل، عاش في زمنه مثقفا فردانيا أي لم يكن يعيش في تلك الأيام مع نخبة من المثقفين والكتاب الذين يشتغلون في نقد الواقع السياسي والاجتماعي على شاكلته ووعيه النقدي في التسعينات من القرن الماضي.
ومع ذلك تحول هذا المثقف الفرداني إلى أحد صناع سلطة أهل الفكر في زمن قصير عن طريق كتابة المقالة التي كانت تنشر له في صحيفة "صوت العمال" تحت عنوان «الديمقراطية كلمة مرة» وهو ما جعل صحيفة صوت العمال الأكثر مبيعا وانتشاراً من بين كل الصحف اليمنية، كون القراء اليمنيين في زمن الانتقال الديموقراطي والتعددية السياسية والفكرية مع قيام دولة الوحدة اليمنية (1990 إلى 1994) كانوا وهم يعيشون لحظات تاريخية فارقة في مضمار السياسة والتحزب السياسي متلهفين لقراءات عمود الديمقراطية كلمة مرة خصوصاً في محافظة تعز.
بل يخبرني أحد الذين عاشوا تفصيل تلك المرحلة الزمنية بوعيه السياسي، أن باعة الصحف المتجولين وهم يتجولون ويروجون لشراء بضاعتهم في شوارع وأسواق المدينة كانوا يقولون عبدالحبيب.. عبد الحبيب، ويلوحون بصحيفة صوت العمال في وجه العابرين من الناس.
والبعض كان يلوح ويقول: الديمقراطية كلمة مرة، ما يعني أن هؤلاء الباعة الجائلين في بيع الصحف كانوا يعبرون عن إحدى صور سلطة أهل الفكر التي أسسها عبدالحبيب سالم مقبل في الوجدان الشعبي، وهي صورة تأثير فردانية لم يتصف بها الكثير من المثقفين والكتاب المعاصرين للكاتب الراحل عبد الحبيب سالم.
على سبيل المثال وليس الحصر، أنا أحد الأشخاص الذين كان سنهم ووعيهم السياسي في عام 1990 لم يمكنهم من التعاطي مع ما يُكتب في الصحف اليمنية، لكني أتذكر حتى اليوم أن اسم عبد الحبيب سالم مقبل وما يكتبه كان حاضرا في جدل السياسة الذي كان يدور بشكل مستمر داخل مجالس السياسيين والقراء في القرية.
ولا أتذكر غيره كان بهذا الحضور المكثف من بين كتاب المقالة الصحفية. بل أتذكر بهذا الخصوص جاري ووالدي المرحوم الرفيق قاسم محمد كان يعود يومياً من المدينة بعد بيع القات وهو يحمل أكثر من عدد من صوت العمال يوزعها بشكل مستمر على البعض، وبعد أن يصل البيت يطلب من ابنه فاروق أن يقرأ له ما كتب عبد الحبيب سالم في الصحيفة.
أتحدث عن هكذا نماذج من الشباب والسياسيين وحتى العمال والمزارعين في القرية كانوا ينتظرون شبه يومي عمود الديمقراطية كلمة مرة في صوت العمال، ثم يرتلون بكل شغف، ما كتبه المثقف عبدالحبيب سالم فيها فكيف كان الحال في المدينة؟
كان الراحل عبد الحبيب سالم قد وصل من موقعه ككاتب لديه الكثير مما يقوله، إلى عضوية مجلس النواب في دولة الوحدة اليمنية عن طريق الانتخابات، وذلك منصب يحلم به الكثير من المثقفين والكتاب والسياسيين، ويحرصون في نفس الوقت على البقاء فيه إلى آخر العمر، لكن عبد الحبيب سالم ظل في قاعة مجلس النواب هو المثقف الفرداني وصاحب الموقف النقدي الذي يشتغل على مطاردة الحقيقة قولا وفعلا.
لهذا قدم استقالته من عضوية المجلس غير آبه بتلك الامتيازات التي يعيش فيها عضو مجلس النواب في بلد هو أحوج ما يكون إلى فكرة التغيير التي تقودها سلطة أهل الفكر.
كم كانت الصديقة الرائعة منى صفوان صادقة عندما كتبت: كبرنا على مقالات الصحفي الشجاع عبد الحبيب سالم.