الإنسان العربي مهما وصل إلى أي مرحلة في العلاقات والتعاملات والفهم والتعاطي مع الآخر والمحيط، إلا أن هناك إشكالية في الفهم والهوية تحاول دفعه إلى زاوية ضيقة جدًا فيصبح معها مستسلما لحاجات غير واعية ولا مفهومة.
على سبيل المثال، لا يكتفي طبيب وهو يستقبل مرضاه في عيادته الخاصة، بشهادته العلمية التي بموجبها حصل على العمل في مجال تخصصه، قد يكون أمراض باطنة وجهاز هضمي أو أعصاب وعمود فقري، أو قلب وأوعية دموية، أو جراحة عامة، ولا حتى بشهادات التكريم من الجهات الحكومية والخاصة وبعض الجوائز، نتيجة للأبحاث التي قدمها، وبعض الشهادات من المرضى الذين تعافوا على يديه.
الأمر لا يتوقف عند حد معين فتجده معلقا خلف رأسه تمامًا "درع الاشراف" وشهادة التقدير محاطة بتسلسل ل"شجرة العائلة" التي تصل جذورها إلى حسين بن علي بن أبي طالب.
طبيب بهذه العقلية والعقد وهذا الاستعراض كيف سأثق به.. ثم ماذا سأستفيد من شجرة العائلة التي يحتفي بها أكثر من التخصص الذي هو عليه، ولماذا يشرح لي أنه ينتمي إلى "آل البيت"؟ ماذا يعنيني كمريض مصاب بورم خبيث ربما أيامي معدودة والأعمار بيد الله أو لدي مرض مستعص مثلا.
هناك أزمة وعي وأزمة فهم وأزمة هوية، تكون خريج أشهر الجامعات الأمريكية أو الأوروبية في مجال الطب أو العلوم والفيزياء ثم تعود لتلتقي مرضاك أو طلابك وزملاءك بشهادة من (الاشراف)، هذه انتكاسة في الذهنية العربية المتبلدة.
الأمر نسبي وليس تعميما، أقصد أنها حالات عند بعض الأطباء العرب وأصحاب الفكر وليسوا كلهم لأن شهادة الطب وعملك في هذا المجال هي هويتك التي يجب أن أعرفك من خلالها ما دونها من الأنساب والأعراق لا تعنيني مطلقا.
العجيب في الأمر أن هذه الظاهرة مشتركة، قد لا يسعى إليها الطبيب لأن هناك حركة أو جماعة تعمل على هذا المسار، وقد يكون هذا الطبيب ضمن هذه التوليفة التي يقدمها على كل شيء علوم وطب وعلاقات، إنما إجمالا من المعيب أن يكون الطبيب الفلاني مهيأ لتقبل ذلك لأنه لقناعة سالفة ورثها عن الأجداد فقط لأن اسمه ينتهي بالشريف أو الحسيني أو السيد فلان الفلاني إلى أن يصل إلى جده الحسين.
حقيقة ظواهر عديدة تصب في هذا الإطار وهي مخيفة على المستوى الاجتماعي، وتخلق حالة من عدم الاتزان في العلاقات بين الأشخاص ومحيطهم وحتى مع الأنظمة القائمة وهذا تناقض كبير وظاهرة تؤسس لبيئة طبقية سيئة.