تعتقد مليشيا الحوثي المدعومة بسخاء من قبل نظام طهران القمعي، وتماهي المجتمع الدولي، أنها فوق النقد أو بمنأى عنه، وأنها تستطيع تجاوز كل هذا الانفلات الأخلاقي والترهيب غير المبرر دون احتجاج أو اعتراض من أحد.
ففي الوقت الذي تَنتشر فيه السوق السوداء لأهم السلع والخدمات الضرورية التي أنهكت كاهل المواطن اليمني، وتُفتتح الأسواق التجارية وتُشيّد العقارات الشاهقة، وشركات الاتصالات التي تُشكل حلقةً مخيفةً من غسيل أموال ضخمة، تُنهب من قوت الشعب ومقدراته؛ تعتقد أنها ستنجو دون أن يرتفع صوت أو تُصدر شكوى أو يَلوحُ غضب في الأفق.
تلك مجرد أوهامٍ لا أكثر حتى وإن طال المُقام، أو تعثرت الخطى هنا أو هناك وتشبث الناسُ بالصبر والصلوات، وانزوى الغرماء يكيلون دون عدل ويسعون دون جدوى ويُصرحون دون نتائج.
لا يمكن إسكات البطون الجائعة، وطمس مشاهد المقابر الواسعة، أو إغفال الطوابير الطويلة من المتسولين والباحثين عن حاجاتهم من الغاز والبترول، أمام منازل عقال الحارات ومحطات التموين، وأبواب تجار الحروب والداعين إلى العبودية من القادة الجدد.
لا يمكن إخفاء ضحايا الألغام الذين بُترت أياديهم وأصبحوا بلا أقدام في إعاقة دائمة، فقدوا حياتهم الطبيعية للأبد في لحظة نزق تحمل كل أشكال التطرف والإرهاب وسفك الدماء ومصادرة الأرواح.
السلطة التي تستقوي على المواطن الأعزل بقوة السلاح، وتقوم بتوزيع المساعدات الإنسانية حسب حاجتها لتموين جبهات القتال بالرجال، لا يمكن أن تصبح بمأمن من سخط الشعب وغضبته وهي سلطة لا تستحق الإذعان ولا الطاعة. والفرج قريب.
ما يحز في النفس أكثر أن العديد من الظواهر التي برزت وانعكست صورها في الآونة الأخيرة على واقع أليم، كالبنايات الشاهقة، والسيارات الحديثة الفارهة، والفلل الراقية، والمواكب المدججة بالسلاح، والطيرمانات المعلقة في الهواء.
بالمقابل ثمة بُنى تحتية مدمرة، وشوارع محفرة، وإنسانٌ مهمل، لا يجد قوت يومه، ومؤسسات باتت مهجورة إلا من خفافيش الظلام ومحاضرات ربيب الكهف؛ قائد التخلف والجهل، عراب الحروب الستة، ومن بعده أخوه الذي حمل راية الخراب ليكمل مشوار ما بدأه الأب والأخ، على حساب أمة كانت تحيا بالكلمة والحرية والعلم والعمل، والراتب والنسيج الاجتماعي المتماسك، والتنوع الزاخر بالهدوء والسكينة.
ستظل هناك أصوات ترعب المليشيا، وجبهات تقض مضاجع الإمامة، ما دام الفساد والقمع والتجويع، وتجريف الهوية وتدمير التعليم وإهمال الناس والبنى التحتية لصالح مشروع سلالي طائفي، يكرس الفوضى والأمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديمقراطية.
وأخيرًا لمن سَتُقرع الأجراس غدًا في هذا الفضاء الرحب الذي حولته الصراعات الطائفية والمذهبية المقيتة والمناطقية الحمقاء إلى مجال ملوث بالمفردات المترهلة والأسماء البالية التي عفا عليها الزمن، وليس لها صلة بواقعنا الجديد.