محمد عبده الشجاع
الحوثيون والسلام الراهن والمجتمع الدولي
ربما بدء الحديثِ بالتساؤل سيقودنا إلى بعض النتائج التي قد تبدو غامضة من وجهة نظر الكثيرين على المدى البعيد والمنظور، خاصة وأن الذين يديرون شؤوننا حاليًا هم صنيعةُ أحلام وطموحات لا تخصنا كثيرًا كيمنيين بعد أن اهتزت الثقة بهم على نحو مريب.
ولعل طرح السؤال التالي: هل سينجح المجتمع الدولي والإقليمي في جر مليشيا الحوثي إلى مربع المفاوضات الحقيقية وطاولة سلام عادلة كأمر حتمي بعد أن نفدت كل الحلول؟ من صميم الراهن الذي بات مقلقًا للغاية.
طيلة الأعوام الماضية، تصلَّب الحوثيون ورفعوا من سقف مطالبهم تباعا حتى صاروا الآمر الناهي أو المتحكم بالأوراق في كل المفاوضات، مقابل ذلك أبدت الأطراف الأخرى تماهيًا عجيبًا مغلفًا بمرونةٍ سياسية عدَّها الحوثيون شكلًا من أشكال الخوف والجبن أو باختصار شديد هزيمة ساحقة تكفل بها الله سبحانه بوقوفه مع الحق وقدراتهم العسكرية والقتالية.
بغض النظر عن المقابر التي اُفتتحت خلال ثماني سنوات خاصة في مناطق سيطرتهم على اعتبار أنه المشروع الوحيد الذي تم إنجازه على أكمل وجه إن صحت الرؤية، إلى جانب محاولات حثيثة هدفها تطييف المجتمع بثقافة واحدة، تحت مسميات "المسيرة القرآنية" و"الهوية الإيمانية"؛ فإن جميعها لم تمنع الناس من الوقوف طوابير أمام محطات الغاز والبترول، ولم توقف تردد كثير من المواطنين والمواطنات المنقبات والأطفال العراة على براميل القمامة، إما للبحث عن بقايا طعام أو مواد يمكن الاستفادة منها وبيعها لتجار الخردة مقابل بعض الريالات لمواجهة وجبات يومية أهمها رغيف الخبز والماء.
كما أنها لم تمنع حالات الانتحار التي ارتفعت بشكل غير مسبوق، وحوادث القتل المخيفة ونهب المال العام والأراضي، وانتشار الفساد بصور مختلفة ونزوح آلاف العائلات وانهيار الصحة والتعليم، ولا منعت التوقف عن زراعة آلاف الألغام.... إلى آخره.
اللافت في هذا المارثون السياسي حجم الأسى الذي يتبدى على وجوه اليمنيين في كل مكان، وعلى ثقافتهم وردود أفعالهم، حيث نجد لغة انهزامية وأحيانا تفاؤلا حدوده السماء وأحيانًا جلد الذات عقابًا على ما كان من مدخلات من المفترض انهم كانوا سببا.
صحيح أن هناك عبثاً في الملف السياسي اليمني لم يسبق له مثيل على الأقل خلال الأربعة عقود الماضية، نتيجة غياب الإرادة والقيادة التي غاب معها القرار، ورغم ذلك لا يزال اليمنيون متطلعين إلى انفراجة لا أحد يعرف كيف ستحدَّد؟! هل بمعركة سياسية طويلة النفس ومرهِقة كما هو الحال الآن؟ أم معركة عسكرية تستعيد فيها الشرعية بعض الجغرافيا أو ربما العكس؟ أو تبني مشروع سياسي جديد لا تبدو ملامحه واضحة حتى الآن.
أم أن الأمور ستُترك على الغارب إلى ما شاء الله، ليقول الشعب كلمته بعد ذلك ويَحسم أمر هذه الفوضى، بعد أن سئم من التعاطي مع الواقع الذي تم فرضه بتبجح من قبل الأطراف الممسكة بخيوط اللعبة.
لذا فإن السلام الحقيقي المزمّن والمدعوم بقوة من كافة الأطراف والقوى الفاعلة؛ هو الفخ الذي ستقع فيه المليشيا، وعليه ستظل ترفضه حتى آخر طلقة.