تعدت احتفالية زواج عفاش، نجل العميد طارق صالح، مناسبتها الاجتماعية وطابعها الإنساني الصرف لأبعد من ذلك بكثير ولتوجه رسائل تتجاوز الموقع والمكان الذي انعقدت فيه ليصل صداها إلى صنعاء وعدن وحضرموت ومارب وتعز، وليصل كذلك إلى الرياض والقاهرة واسطنبول.
فلأول مرة منذ العام 2015م نشاهد اليمن تجتمع في مكان واحد وتحت سقف واحد.
لأول مرة يحدث منذ ذلك العام أن اجتمع كل هؤلاء الخصوم وحرص حتى من لم يتمكن منهم من الحضور على إرسال ابنه أو من يمثله للمشاركة نيابة عنه في هذه الاحتفالية ليرسم الجميع بهكذا مناسبة صورة ظننا أن مشاهدتها قد أصبحت جزءاً من شريط ذكريات الماضي الذي لن يعود.
وبعيداً عن ذكر أسماء الأشخاص الذين حضروا ولا أسماء مكوناتهم وأحزابهم وتنظيماتهم أو حتى صفاتهم الشخصية ولا ذكر الأهداف والقضايا والأفكار التي يحملها ويتبناها كل واحد من هؤلاء والتي يتعارضون فيها مع بعضهم.. فإن الحقيقة التي يجب أن تقال إن ما لم تستطع الأمم المتحدة ولا الرباعية تحقيقه بجمع كل هؤلاء الفرقاء والمتصارعين تحت سقف واحد عمله وحققه العميد طارق وإن في مناسبة اجتماعية إنسانية.
وهذا أيضاً له دلالاته العميقة التي يمكن البناء عليها مستقبلاً والتي منها أن بالإمكان جمع اليمنيين والجلوس على طاولة واحدة بغض النظر عن الشعار الذي يرفعه كل طرف. والثانية، وهي الأهم، المكانة التي لا يزال يتمتع بها "آل صالح" في الحياة الاجتماعية والسياسية في اليمن وخارج اليمن.
حيث تجلى كل ذلك في الحضور اللافت والنوعي والمتميز للمشاركين في مراسم الزواج أكان على المستوى المحلي بمشاركة معظم ألوان الطيف في الشمال والجنوب من شخصيات حزبية وقبلية واجتماعية ومن منظمات المجتمع المدني أم على المستوى الخليجي الذي تمثل في مشاركة بعض رموز الدولة والمجتمع في بعض الدول الخليجية كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
الماضي لا يعود ولن يعود النظام السابق أبداً أبداً وهذه هي الحقيقة، لكن تأثير الرجال العظماء على الأحداث لا يتوقف ودورة الحياة تستمر ويوجد للراية من يحملها ومن حضر حضر ليس حباً في عفاش الأب ولا خوفاً من طارق ولا طمعاً في ذهب المعز من حضر حضر طوعاً ورغبة وتعبيراً صادقاً عن احترامهم وتقديرهم لشخص العميد طارق ولشخص نجله عفاش بغض النظر عن التباينات في المواقف والآراء أو حتى الأهداف.
ولو كان المجال يتسع لأكثر من هؤلاء المدعوين لحضر أكثر، فقد ود الكثيرون لو أنهم كانوا حاضرين، غير أن الفرصة لم تكن متاحة أمامهم لأسباب موضوعية فاكتفوا فقط بإرسال التهاني والتبريكات.
إن الإجماع الذي تحصل عليه العميد طارق صالح وظهر جلياً في هذه الاحتفالية بالتأكيد لم يأت من فراغ أو أتى بحكم النسب والوراثة وإنما هو نتاج جهد دؤوب وثمرة عمل وكفاح مضنية اختزلها في سنوات معدودة.
ولو لم يكن يملك الكفاءة والقدرة وروح القيادة لما استطاع أن يصل إلى هذا المستوى وأن يحصل على كل الإمكانيات.. فالمال وحده لا يخلق القادة.
فمن شخص طريد بالأمس وصل وحيداً إلى شبوة ومنها إلى عدن قبل أن يستقر الحال به أخيراً في الساحل الغربي ويختط من المخا مركزاً ومنطلقاً له ولقواته إلى شخص اليوم يمتلك عشرات الآلاف من الجنود والملايين من الأتباع من الأغلبية الصامتة.
فمن المخا ظهرت شخصيته المستقلة المتفردة بكل وضوح كقائد أوحد بعد أن كان قائدا من ضمن مجموعة من القادة.
فمنذ البداية تعامل بحكمة وعقل مع كل الحملات المناوئة له والتي كانت في مجملها تستهدفه كشخص وتعمل على شيطنته وأدار بكل اقتدار كل الملفات العسكرية والأمنية والإدارية، وتعامل برحابة صدر وروية مع كل الأحداث العارضة والمتغيرات التي شهدتها المنطقة وأنجز بدون ضجيج العديد من التحولات حتى تكاد تكون المخا اليوم نواة للدولة الحديثة قطاعات عسكرية نظامية ذات تسليح جيد، منظومة أمنية متكاملة، شبكات طرق واسعة وحديثة داخلية وأخرى تربط المخا بالمحافظات المجاورة، ومشاريع حديثة للطاقة الكهربائية تقليدية ونظيفة، إنشاء مطار حديث، وإعادة تأهيل ميناء المدينة، إلى جانب قيامه ببناء وحدات سكنية وعدد من المستشفيات والوحدات الصحية وتشغيلها.
غير أن الأهم من كل ذلك وما جعله يصل إلى ما وصل إليه احتفاظه وتحمله لمسؤوليته الأخلاقية تجاه الشهداء والجرحى الذين سقطوا وهم يقاتلون معه وإلى جانبه رعايته المستمرة لهم ولأسرهم.
لذلك كله كانت المناسبة فرصة حقيقية لمعرفة المكانة التي يحظى بها العميد طارق صالح شمالاً وجنوباً وبين أوساط القوى الوطنية الحية وردا عمليا للذين يقللون من دوره ويشككون في قدراته ولا يعون شخصيته الجامعة.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك