"مصر أُم الدنيا"، عبارة كانت تحيط بنا في كل مكان، طيلة أيام حياتنا، ترددت على مسامعنا كثيرا، مرارا وتكرارا، في كتب المدارس والتاريخ، في الراديو والتلفزيون وكل من يسمع اسم مصر، أول شيء ينطقه "مصر أم الدنيا".
لم نكن نعلم ماهيتها وفحواها سوى أنها عبارة نسمعها ونرددها ولكن مع الوقت أدركنا جيدًا ماهيتها واثبتت مصر انها أُم الدنيا وأُم اليمنيين أيضًا.
لم نختر آباءنا وأمهاتنا، وكذلك لم نختر أوطاننا، وحياة سقطنا إليها بغتة، فقست علينا، انهكتنا واخذناها وأخذتنا غلابا.
عبس في وجوهنا الوطن وتولى، وشردتنا الحرب كيمنيين في أصقاع الدنيا، ومصر الحبيبة ربتت على أكتاف ارواحنا، كانت الأم الحانية والوطن الكبير الذي لملم جراحاتنا، أوى إليه ملايين اليمنيين ووجدوا فيها الأمن والملاذ والمأوى.
بسبب أحداث الحرب وتداعياتها ومآسيها، قست علينا بلادنا واغلقت الأبواب من كل جهات الحب الأربع، أسلمتنا للريح تعبث بنا وللدخان يبعثر أشلاءنا وللحرب والدمار تشتت بنا في أصقاع البلاد والمدائن.
عجزت بلادنا اليمن أن تؤمّن لنا الحياة، عجزت أن تلملم شتات نفوسنا، لم تستطع ان تؤمّنا كأم حانية بل أغرقتنا في يم المآسي والمحن ومن ثَم لفظتنا كما يلفظ البحر جثث غرقاه.
مصر فتحت لليمنيين بالحب قلبها قبل ذراعيها، فتحت روحها قبل أبوابها فدخلناها بسلام آمنين، بلاد تستقر فيها الحنايا وتأمن فيها الروح.
هذه البلاد التي ضمدت أنين اليمنيين، أمَّنت خوفهم وروعهم، لم تغلق أبوابها في وجه يمني، لم تُميِّز بينهم وبين مواطنيها، لم تكشر لهم الأنياب ولم تُصعِّب عليهم السُبل، بل قالت لهم "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
لم تواجههم بالحديد والنار والأدخنة والرصاصات والفخاخ والمدافع بل بالامان والدعة.
فتحت لهم كل سبل العيش والعمل، عاشوا واعتاشوا، فتحوا المشاريع وبنوا لهم وطنا للسلام حتى صار عددهم 2 مليون وسبعمائة ألف يمني ينعمون بالسكينة وبابتسامة المصريين ودمهم الخفيف وروحهم المرحة رغم كل هموم الحياة اليومية التي يواجهونها، حالهم حال كل العرب في مواجهة متطلبات الحياة.
ادخلوها بسلام آمنين.. كم أحب هذه الأم المترامية الحب والسلام والدعة والاطمئنان.. مصر أُم اليمنيين وأُم كل الدنيا.