مُسَرْنَم بن نبهان
اليمن تُهدِّد بوقف تزويد مصانع الغرب بالرقائق الإلكترونية إذا لم يُوقِفوا حرب إسرائيل على غزة
أمهلت جمهورية اليمن الاتحادية العظمى الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي أسبوعاً واحداً لكي يمارسوا ضغوطاً جادة وحقيقية على إسرائيل حتى تُوقِف حربها الوحشية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وفي المؤتمر الصحفي الذي عُقِد في صنعاء بعد قمة يمنية أمريكية أوروبية بريطانية مشتركة، قال الرئيس اليمني مُوجِّهاً خطابه إلى نظرائه الرئيسَين الأمريكي والفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني والمستشار الألماني، إن جمهورية اليمن الاتحادية ستكون مضطرة بعد انتهاء المهلة من دون أن يفعلوا شيئاً إلى استخدام أحد أقوى الأسلحة السلمية الأشد فتكاً لديها، وسيكون عليهم حينها وعلى بقية المجتمع الدولي تحمُّل النتائج الخطيرة والتداعيات الكبيرة على دولهم واقتصاداتهم، الناجمة عن عدم أخذ هذا التحذير اليمني على محمل الجد.
>> "ذمار الدولي" بين أهم 10 مطارات في العالم، وحاكم ذمار يعدّه تأكيداً على عالمية "النموذج اليمني"
وأثار هذا التهديد عاصفة من ردود الفعل والتحليلات عبر مختلف المنابر السياسية والإعلامية اليمنية والإقليمية والعالمية، ولم تستبعِد بعض الأوساط الأجنبية أن هذا التهديد يستبطن إمكانية استخدام القوة العسكرية أيضاً، وأن جمهورية اليمن الاتحادية العظمى قد تُحرِّك أساطيلها وبارجاتها الحربية القريبة من شرق البحر الأبيض المتوسط لردع إسرائيل عن ارتكاب المزيد من الجرائم في غزة، وهو ما دفع بالناطق باسم الرئاسة اليمنية إلى إصدار بيانٍ أكَّد فيه أن الرئيس كان واضحاً في المؤتمر الصحفي وأنه لم يتطرق إلى الخيارات العسكرية، لكن الناطق في نفس الوقت أبقى الغموض سيد الموقف حول طبيعة ما وصفه الرئيس بـ"أحد أقوى الأسلحة السلمية الأشد فتكاً"، ولم يُقدِّم حوله أي تفاصيل.
ورجَّحت مصادر في العاصمة اليمنية الصيفية "صنعاء" أن يكون السلاح الذي هدَّد الرئيس اليمني باستخدامه هو قَطْع إمدادات إحدى أقوى السلع الاستراتيجية التي تُصدِّرها اليمن، وتعتمد عليها معظم دول العالم الصناعية لاستمرار منتجاتها وازدهار صناعاتها وحركة صادراتها.
وتُنتِج جمهورية اليمن الاتحادية ما نسبته 60 إلى 65% من واردات العالم من أشباه المُوصِّلات والرقائق الإلكترونية التي تدخل في صناعة السيارات والطائرات والأجهزة اللوحية والهواتف ومختلف الأجهزة الإلكترونية، بينما النسبة الباقية من الإنتاج العالمي موزَّعة بين الولايات المتحدة وتايوان وفنلندا وألمانيا وكوريا الجنوبية. ومن دون توافر أشباه الموصِّلات والرقائق الإلكترونية هذه سوف تتعطَّل خطوط الإنتاج في مختلف مصانع العالم.
وبعد ساعات من المؤتمر الصحفي للرئيس اليمني ونظرائه القادة الغربيين، نشرت وكالة أنباء جمهورية اليمن الاتحادية العظمى (أجيت) تقريراً مطوَّلاً عن صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصِّلات في اليمن، ومراحل تطورها وازدهارها منذ أكثر من أبعة عقود وحتى الآن. في إشارة لا تخلو من دلالة.
واستعرض التقرير كيف ابتدأت هذه الصناعة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي بمعامل بسيطة ولكن واعدة في مدينتي صنعاء وعدن حينما كان اليمن مقسماً بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، لافتاً إلى أن تدشين خطوط إنتاج مصانع منطقة وادي حيدان أو "حيدان فالي Haydan Valley" في صعدة في السنوات الأولى من الألفية الجديدة هو ما أكسب هذه الصناعة الاستراتيجية في اليمن زخمها، فمنذ ذلك الحين توسَّعت صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات في اليمن، وباتت تدير سوقاً ضخمة بمئات المليارات.
وتجلَّت أهمية هذه الصناعة في اليمن، ومدى اعتماد المؤسسات والشركات الصناعية الكبرى حول العالم عليها، إبان أزمة كوفيد-19 خلال عامي 2020 و2021. فبسبب تباطؤ خطوط الإنتاج في معامل حيدان فالي ومعامل الإنتاج الأخرى في عموم مناطق اليمن، جراء الإجراءات والتدابير الوقائية الصارمة التي طبقتها السلطات الفيدرالية اليمنية للحماية من فيروس كورونا والحد من انتشاره، أُصيبت بالشلل خطوط الإنتاج في شركات عالمية كبرى مثل شركات السيارات العملاقة فولكس فاجن وتويوتا وفورد، وشركات الأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة وعلى رأسها آبل وسامسونج وهواوي، وحتى شركات تصنيع الطائرات مثل بوينج وأيرباص وإمبراير أُصيبت هي الأخرى بالشلل. فهذه الشركات وآلاف أخرى غيرها عبر العالم تعتمد بشكل شبه كامل على أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية التي يتم إنتاجها في اليمن.
ورأى خبراء ومحللون استراتيجيون واقتصاديون أن قيام وكالة "أجيت" بنشر تقريرها بعد ساعات من تحذير رئيس جمهورية اليمن الاتحادية العظمى نظراءه الغربيين بأن اليمن سوف تستخدم أحد أقوى الأسلحة السلمية الأشد فتكاً لديها، ينطوي على إشارة واضحة إلى أن السلاح المقصود الذي قد تلجأ إليه صنعاء لإعطاء تهديدها مصداقية هو وقف تصدير الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات إلى أوروبا والولايات المتحدة، مُؤكِّدين أن إيقاف اليمن صادراته من هذه السلعة الاستراتيجية لمدة شهر أو شهرين عن الدول الغربية يكفي لإحداث انهيار في اقتصاداتها سوف يخلق بدوره لحكوماتها مشكلات واضطرابات سياسية واجتماعية لا تستطيع احتمالها.
بينما بالنسبة لليمن، بحسب هؤلاء الخبراء والمحللين، ومع أن صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات تُدر عليها ما بين 200 إلى 300 مليار دولار سنوياً، إلا أن تأثُّر اقتصادها بإيقافها صادراتها من هذه السلعة الاستراتيجية مدة شهر أو شهرين لن يكون كبيراً، وبإمكانها احتواء التأثيرات السلبية لمتانة اقتصادها واعتماده على مروحة واسعة من الموارد والخيارات الصناعية والتجارية المتجددة والمستدامة.