"حوض الأشراف، بير باشا، المسبح، العين" مناطق ڤي تعز توحي بوفرة الماء، إنما الحاصل عكس هذه المفردات تمامًا في مدينة قاحلة جدباء محرومة من قطرة ماء سوى من "صدقات" المنظمات ممثلة ببراميل السبيل الموجودة في الحارات والشوارع، ومواطن تعزي بائس يلاحق بعد الماء من سبيل لسبيل، هم وأطفالهم ونساؤهم من شروق الشمس حتى الغروب وهم يحملون "جالونات الزيت" فوق أكتافهم بحثًا عن قطرة ماء.
أشُهر من الزمان وبيوتنا بلا ماء ونحن نلاحق بعد وايتات لشراء ماء في ظل ارتفاع أسعارها الجنونية التي تصل إلى 20 ألف ريال، بعد أن سحبت مؤسسة المياه الآبار المحفورة في تعز وحرمت التعزيين من الماء وباعته لأصحاب الوايتات للترزق على حساب جدبنا وقهر أرواحنا، دونما أي حلول ملموسة لنجدة هذه المدينة المنكوبة التي تغوص في مياه المجاري والصرف الصحي ومخلفاتها وضجيجها الخانق حتى باتت مدينة لا تطاق وأشبه بمدينة موتى.
فلماذا يُغض الطرف عن هموم هذه المدينة الغارقة في موتها وبؤسها وكأنها مدينة لا تعني أحداً وكأن من فيها أناساً من كوكب آخر ولا يستحقون الحياة ومكتوب عليهم العطش واللظى والحرمان والشقاء وبتر كل مقومات العيش والحياة الكريمة لهذه المدينة ولهؤلاء التعزيين البؤساء؟
قد كتبت الأقلام كثيرًا عن هذه الأزمة إنما حبرها ذهب وولى أدراج عجز الدولة وإعاقة السلطة المحلية الدائمة بحجة أن ما باليد حيلة وليس بالإمكان أفضل مما لم يكن أصلًا.
أجل تحوّلت حكومتنا إلى حفنة من المشلولين دماغيا، والمعوقين حركيا والعاجزين عملًا وفعلًا ولم نعد نرتجي منهم رجاء، ونجهل من أين نأتي بمن يحمل قضايا هذا الوطن على مهجته وكأنه نبض وريد!
مخطئ جدًا من يظن أن نتائج هذه الكارثة والجدب التعزي هي نتائج وقتية فقط، بالعكس تمامًا لأن نتائجها قاتلة وقد ألقت بمخالبها المخيفة على كل شيء في تعز، ومنها توالدت أزمات كثيرة اجتماعية وثقافية وفكرية وتعليمية تتمثل في إجبار الأطفال على ترك مدارسهم "لسأب الماء".
ومشكلات بيئية تمثلت في قذارة البيوت والشوارع وانتشار الآفات والأمراض والأوبئة والتلوث العظيم.. ومستقبلية وهذه اخطر النتائج وتتمثل أولًا في الجفاف الذي يهدد تعز نتيجة استنزاف الآبار بسبب تزايد عدد وايتات الماء التي تستنزف هذه الآبار..
ثانيًا، هجر الطلاب للدراسة وبما ينذر بتحويلهم مستقبلًا إلى بلاطجة ناقمين على هذا الوطن..
ثالثًا، حصر الناس بمشكلة إرواء عطشهم فقط، بمعنى لا تفكير آخر، ولا إبداع، ولا تنمية، ولا تطوير لهذه المدينة ما دام أهلها فقط يفكرون بقطرات الماء..
رابعاً، وهو الأهم، يقين التعزيين أنهم غرباء في بلدهم وما عاد لهم وطن يحتوي ألمهم وحرقة اكبادهم.
إلى متى ستظل تعز تدفع الثمن ومتى سيعيش التعزيون حياة كريمة وتعود أرواحهم راضية مرضية لحنايا مدينة حقيقية لا تشبه المقبرة التي يعيشون فيها الآن؟ إلى متى؟