محمد عبده الشجاع
لم يكتفوا بقتله بل رفضوا تسليم جثته
الصورة الكاملة لمشروعٍ ينازعك روحك ولقمة عيشك وكرامتك وأرضك وإنسانيتك وفكرك، ويسعى جاهدًا لأن تكون عكفيا في كتيبة مقاتليه الذين يدافعون عن شخص يقبع في دهاليز الكهوف ويحدث الناس من خلف الكواليس ومن وراء جدر.
صبري الحكيمي تربوي قدير، وواحد من آلاف اليمنيين الذين قضوا حتفهم على يد عناصر مليشيا الحوثي الإرهابية، تحت مبرر الوقوف مع العدوان وغيرها من التهم الجاهزة، التي يكيلها أتباع الدجال عبد الملك، زعيم أبشع عصابة عرفها التاريخ اليمني الحديث والقديم، لمن خالفهم الرأي والفكر والعقيدة أيضًا.
ففي اللحظة التي كانت المليشيا تعيش نشوة الانتصار على الغرب وإسرائيل، ونشوة تحرير فلسطين، وأنها تمثل دول الممانعة ومحور المقاومة، كان بالمقابل الحكيمي يخضع لجلسات تعذيب وحشية داخل معتقله في العاصمة صنعاء، دون مراعاة لسنه أو مهنته أو حتى يمنيته، ولا سنوات عمره التي ذهبت دون رواتب وعلاوات وبدل سفر وحافز وإجازات، ولا حتى لكونه أحد الخبراء وكادرا متميزا، مثله مثل معلمي العالم الذين يحصلون على كل الامتيازات.
بالمقابل أيضًا كان القناص الحوثي يغتالُ شابًا في مقتبل العمر وفي رمضان، وهو في طريقه لوجبة الإفطار عند والدته في مدينة تعز، ثم يصيب آخر كان إلى جواره وقد نجا بأعجوبة، وآخر توفي في السجن المركزي بمحافظة ذمار بعد فترة طويلة من الاحتجاز دون مسوغ قانوني، ودون مراعاة لوضعه الصحي.
في الوقت نفسه أيضا كان أربعين مواطنا يتم انتشالهم من بين الأنقاض بين قتيل وجريح في مدينة (رداع) بعد تفجير المنازل على رؤوسهم، في سابقة لم تحدث حتى في أسوأ الحروب والصراعات بين اليمنيين، ولا يمكن لمخلوقٍ عاقل تبريرها بأي حال من الأحوال، سِوى أنها جريمة لا يقوم بها إلا كيان مغتصب أو محتل غاشم.
هذه الصورة وغيرها من الصور المؤلمة والأفعال البشعة، يتم رسمها من قبل عصابة دجال مران، الذي يتمسح بالإنسانية عبر خطاباته وبالقومية والعروبة ونصرة فلسطين فيما عشرات اليمنيين يموتون يوميًا تحت التعذيب وغياب أبسط مقومات الحياة.
لم تصنع أي سلطة تعاقبت على حكم اليمن الشمالي منذ عقود طويلة وربما قرون ما صنعه أذناب الإمامة باليمنيين، لم يتركوا محافظة إلا وأشبعوها جوعا ونهبا وقمعا واعتقالات وتفجير منازل ودور عبادة ومدارس ومعاهد.
لم نعهد سلطة كرست عداءها للحريات بهذه الصورة، وحاربت التعليم ودمرت الصحة، وحرضت على المثقفين والصحفيين والأكاديميين والشخصيات التاريخية، وعلى التاريخ نفسه، وقتلت رئيس جمهورية لثلاثة عقود ونيف في بيته دون عمل أي اعتبار لأي قيمة، وحرضت على الآثار ونهبت المخطوطات، في عملية طمس هُوية متكاملة الأركان، وتغيير ديموجرافي وثقافي واجتماعي وسياسي واقتصادي وتجيير كل شيء لصالح الفرد الواحد الذي يدعي القداسة وارتباطه بالله سبحانه.
لم يحدث أن تم تمزيق المجتمع بهذه الشاكلة، حتى في أسوا الظروف كانت تحدث انقسامات جغرافية ربما يعززها ظهور دويلات لكن كان النسيج يظل متماسكًا، تعززها القيم والأواصر والأعراف والأخلاق، ولا نجد هذه الظواهر التي تحدث اليوم من قتل وانتحار وظلم وتجبر، وليس البنى الاجتماعية وحدها من تنهار حتى البنى التحتية التي ستخلف كارثة بيئية واقتصادية مستقبلًا.
باختصار ما قامت وتقوم به المليشيا في اليمن، هو الإرهاب بعينه، وطمس القيم والهويات المتنوعة، وإحلال علاقات وطبقات زائفة، وإعادة إحياء النزاعات، وتكريس العصبية وحكم الفرد والسلالة، ونهب خراج الأراضي كملكية خاصة بجماعة معينة وما فاض من الفُتات يتم الدفع به للعامة، وهي فكرةٌ خطيرةٌ جدًا ستؤرق المجتمع الذي ظل لقرون طويلة وهو يحافظ على كثير من القيم الجميلة والثوابت، وستؤرق المؤرخين والكتاب.
ولذا نحن جميعًا دون استثناء، أمام اختبارٍ صارمٍ جدًا وصعب، لا يمكن تجاوزه ما لم تكن هناك رؤية وقيادة، وإرادة، وفعلٌ وقرار.