حسام ردمان
تعليقاً على ترند البنك المركزي: لماذا التصعيد؟!
ما يجري اليوم على الساحة الاقتصادية ليس صراعاً ثنائياً بين "مركزي عدن" و"مركزي صنعاء".. وهو التوصيف الرائج من قبل البعض إما جهلاً أو خبثاً!!
ما يجري ببساطة هو أن "البنك المركزي اليمني-المركز الرئيس عدن"، قرر التحرك بمسؤولية -لا تخلو أيضاً من الشجاعة- لحماية القطاع المصرفي الوطني من تدخلات سلطات الانقلاب الحوثية وانتهاكاتها بحق البنوك والمودعين.
ويمكن أن يكون لنا وقفة مطولة مع طبيعة الانتهاكات الحوثية للرد على أولئك المصابين بمتلازمة "العمى الاختياري"، من يرون في تحركات الحوثي المارقة خيراً محتملاً، في حين يضيق صدرهم للغاية من تحركات المؤسسات الشرعية القانونية ويعتبرونها مفسدة عظمى.
ولم تكن قرارات المعبقي جزءاً من مكايدات سياسية داخلية أو مجاراة للتوجهات الدولية، وإلا لكان بوسع الرجل اتخاذ هذه القرارات عشية ضرب الحوثيين للنفط، أو عشية تصنيفهم جماعة إرهابية..
لقد مثلت قرارات البنك المركزي خطوة منطقية ومبررة للتأكيد على المركز القانوني للدولة في العاصمة عدن، وذلك رداً على طبع الحوثيين لعملات مزورة، في محاولة يائسة لمنازعة السيادة النقدية، وذلك بعد أن ادعوا أمام العالم سيادتهم العسكرية على البحار اليمنية.
باختصار.. كان الحوثي يتوهّم بأنه يضع اللمسات الأخيرة كي يتحول إلى سلطة شرعية مكافئة -بل ومتفوقة- على السلطة الشرعية المعترف بها دوليا.. ولم يكن يتوقع أن يأتيه الرد الصارم من قلب المؤسسات القانونية المعبرة عن الإرادة الوطنية، والتي لم تذعن أمام أي ضغوط داخلية أو خارجية. وقررت المضي في معركتها حتى النهاية.
ما قام به البنك المركزي كان خيار الضرورة، وقد تكون له بعض الأعراض الجانبية.. لكنه كان الخيار الصائب في الوقت الصعب. ولم يكن أبداً تحركا مرتجلا أو استعراضيا.
فقد انتهجت إدارة المعبقي منذ منذ العام 2022 استراتيجية تمكينية لتعزيز دور البنك المركزي اليمني، وذلك من خلال العمل على ثلاثة محاور رئيسية:
أولاً، بناء القدرات المؤسسية للبنك، وهو ما استغرق وقتا طويلا لقرابة العامين، وما زال العمل عليه مستمرا، إلا أن إدارة البنك قطعت فيه شوطا كبيرا انعكس بجلاء على جودة ادائها وكفاءتها في إدارة الصراع الاقتصادي مع الحوثي.
أما المحور الثاني، فقد ركز على بناء الثقة مع الشركاء الدوليين، وخلال الفترة الماضية استطاع البنك أن يوثق صلاته وتعاونه مع كافة المؤسسات الاقتصادية الدولية والإقليمية، وبفضل هذه الثقة تمكن من استعادة قدر كبير من الاحتياطيات النقدية المجمدة في البنوك الخارجية، وهي من ساعدت إلى حد كبير في الحفاظ على تماسك الحكومة المالي بعد انقطاع تصدير النفط.
أما المحور الثالث، فكان تعزيز السيادة النقدية، وذلك على مرحلتين: أولاً، ضبط آليات عمل شركات الصرافة وتشجيع القطاع المصرفي للاضطلاع بمهامه في جميع المناطق المحررة. والمرحلة الثانية، تعزيز السيادة النقدية في عموم الجمهورية اليمنية والمناطق غير المحررة، وهو ما نرى مفاعيله اليوم.
لقد مثّلت قرارات الأمس؛ قمة جبل الثلج الذي تراكم من رافدين: أولاً، العمل التراكمي الرصين من قبل الشرعية اليمنية ومؤسستها النقدية.. وثانياً، الأخطاء الحوثية نتيجة غرور القوة ومحاولتها المارقة تجاوز كل الخطوط الحمراء.
وكالعادة فإن الحوثي يحاول إقحام قضية غزة العادلة لتبرير فشله وسلوكه الانتهازي. وقد سعى منذ اللحظة الأولى إلى إعطاء ملف البنوك المحلية بعداً خارجياً.
وخلال الأسابيع الماضية وبعد أن فشلت الجماعة في إدارة المعركة الاقتصادية مع المعبقي ورجاله الثابتين على مواقفهم. بدأ زعيمها بتهديد المصالح الدولية والإقليمية كمحاولة يائسة للهروب من الورطة التي أوقع بها نفسه.
وفي الحقيقة لا الشرعية تتحرك بتوجيهات خارجية كما يدّعي، ولا المجتمع الدولي سوف يذعن لابتزاز جماعة إرهابية ليضغط على البنك المركزي كما يعتقد.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك