من يقول إن السعودية تواجه اليوم خطراً وجودياً محدقاً وغير مسبوق، ما عليه سوى مراجعة التاريخ:
صحيح إن العراق اليوم خاضع للنفوذ الشيعي الإيراني، لكن من قال إن عراق البعث كان أقل عداوة وخطراً على السعودية من عراق اليوم؟
ألم يغزُ صدام الكويت ولو استقام له الأمر فيها لمضى نحو السعودية.
وصحيح أن سوريا اليوم ممزقة ودمشق رهينة النفوذ الايراني الروسي، لكن من قال إن حكم البعث السوري كان صديقاً رفيقاً للسعودية!
بل كان خطابه يضعها في قائمة الدول الرجعية المحافظة "العميلة" الجديرة بالهدم.
وأما اليمن فصحيح أن بعضه اليوم خاضع لنفوذ إيران، لكن من قال إن اليمن شمالاً وجنوباً لم يكن ذات يوم منصة لتهديد السعودية؟
قبل 1990م كان يحكم في جنوب اليمن نظام ثوري اشتراكي حليف للاتحاد السوفييتي ويرفع شعار تحرير شبه الجزيرة العربية من الأنظمة الرجعية،
وكانت عدن وكراً يجمع أعداء المملكة شعراء وساسة وعسكريين وخبراء.
بل حين اندلعت ثورة 26 سبتمبر في الشمال كان بعض القادة يهددون بين وقت وآخر بضرب قصور الرجعية في الحجاز ونجد، (وأنا لا ألومهم الآن، فقد كان لأقوالهم سياق تاريخي يمكن فهمها في إطاره)،
وطيران عبد الناصر ألقى القنابل على نجران وجيزان.
أقصد مما سبق، أن الأخطار من الخارج ليست كلها جديدة على السعودية، وإن كانت جديدة في الشكل والعناوين.
وطوق النار الذي يُقال اليوم إن إيران قد أحكمته على المملكة لم يكن في الماضي طوقاً من الورد والحرير، إذا استثنينا اليمن في معظم عهد علي عبد الله صالح.
هل هذا يعني أن السعودية منيعة وحصينة ولا شيء يستدعي القلق؟
لا. لم أقل هذا.
لكني مؤمن أن الدول تسقط من داخلها، أو بتواطؤ من داخلها.
وطالما كانت الدول قوية موحدة من الداخل بالرفاهية والإنجاز والنجاح إلى جانب الشدة والضبط، فأخطار الخارج يمكن دفعها والتعامل معها بطرق مختلفة.
من الأفضل عدم الوقوع في الغلط والمبالغة والوهم.
طالما أن كل ما تمسّه يد إيران في المنطقة يستحيل خراباً، فهذه النتيجة الملحوظة بالحسّ والعقل ترسل على مدار الساعة رسائل شديدة الوضوح تضاعف من الوعي بأهمية التماسك الداخلي والشرعية السياسية للأنظمة الحاكمة في الدول العربية التي لم يتسرب إليها الخراب، وعلى الأخص السعودية ودول الخليج.
والخطر على هذه الدول كان سيكون حتمياً لو أن المناطق والبلدان التي تفاخر إيران بأنها صارت مجالاً لنفوذها، قد استحالت إلى واحات عامرة مستقرة ومدن فاضلة وليس إلى أنقاض وأمشاج متناثرة كما هي عليه اليوم.