محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

صنعاء .. جغرافيا الحزن تحت سلطة الخراب

Tuesday 03 June 2025 الساعة 07:39 pm

صنعاء المدينة التي كانت يوماً تضج بالحياة والأعياد والمقاهي والأسواق والضحكات العابرة بين الأزقة، بتاريخها العتيق ووجهها المعماري الفريد، تبدو اليوم كأنها تسير على أطراف الوجع، محمولة على أكتاف التعب المزمن، كل ما فيها يشي بأن الحياة تُختطف منها على مهل ، بصمت قاسٍ وتواطؤ من الزمن تحت وطأة جماعة الحوثي الإرهابية التي أحالتها إلى مدينة عالقة بين أنفاسها الأخيرة وذكرياتها البعيدة. 

مع اقتراب عيد الأضحى، تتكئ صنعاء على جدار الخيبة، العيد الذي كان يستعد له بالأهازيج و"آنستنا يا عيد "، أصبح طيفاً باهتاً لا يوقظ في الناس إلا مزيداً من الحنين والخذلان، الأسواق التي كانت تتزين بالأقمشة الجديدة وألعاب الأطفال تبدوا اليوم شبه خالية لا روح فيها ولا قدرةعلى البيع والشراء الجيوب خاوية والرواتب منقطعة منذ سنوات والناس أُنهكت حتى تماهت ملامحهم مع الغبار العالق في طرقات المدينة. 

الموظفون في مؤسسات الدولة أولئك الذين أفنوا أعمارهم في خدمة وطنهم يعيشون اليوم على الهامش بلا مرتبات، بلا حتى صوت مسموع. الكثير منهم اضطر لبيع ممتلكاته أو البحث عن أعمال هامشية لا تليق بمكانته، لكنه يجبر عليها بدافع الكرامة والبقاء، الحرفيون والباعة المتجولون وأصحاب المحال الصغيرة جميعهم يئنون تحت وطأة اقتصاد منهار لا أفق له. 

إن الحزن في صنعاء أصبح سمة ثابتة محفورة في الملامح والجدران والنظرات المتعبة، الجدران التي لطالما سمعت ضحكات العيد باتت اليوم تشهد بؤس غير مسبوق، لا طقوس ولا أغاني العيد ولا فرح ولا حتى بهجة مؤقتة، الناس يمضون أيامهم وكأنهم في انتظار شيء ما، شيء يشبه الخلاص، أو الانفجار او حتى المعجزة . 

ووسط هذا كله تُصر جماعة الحوثي الإرهابية على نصدير وهم الانتصار وعلى تجميل صورة مشوهة بالخذلان والفساد تُقيم احتفالاتها الخاصة الطائفية وتضخ موارد الدولة في مراسمها بينما الملايين يتضورون جوعاً وينامون على أمل لا يأتي. 

إنها ليست مجرد أزمة اقتصادية ، بل كارثة إنسانية شاملة، صاغتها جماعة مسلحة أحكمت السيطرة على العاصمة وجعلت من العيد مناسبة ثقيلة تمر دون ملامح ومن المدينة متحفاً كبيراً للخراب والانتظار.