محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

هل ما زالت طهران ستحمي الحوثيين؟

منذ ساعتان و 24 دقيقة

قبل سنوات، حين كان الخطاب الحوثي في أوجه، كانت طهران تُقدَّم كدرع حديدي لا يُخترق، كراعية للمستضعفين، وكمصدر لا ينضب للدعم والسلاح والغطاء السياسي. كان الحوثيون يرفعون صور خامنئي في صنعاء، ويرفعون شعارات “الموت لأمريكا” وكأنهم في ضواحي قم، لا في اليمن الجريح. لكن اليوم، بعد الضربات التي عصفت بإيران من الداخل، وبعد أن بدأ اليمنيون يتحسسون خيوط الخلاص الحقيقي عبر مؤسسات الدولة والمقاومة الوطنية، بات السؤال أكثر من منطقي: هل ما زالت طهران قادرة على حماية الحوثيين؟ أم أن الغطاء قد تآكل، والحسابات تغيّرت، والواقع لم يعد يحتمل هذا الوهم؟ 

حين أعلنت المقاومة الوطنية عن ضبط شحنة أسلحة ضخمة كانت في طريقها للحوثيين، لم يكن الخبر عادياً. لم تكن مجرد عملية أمنية، بل كانت صفعة سياسية مدوية تُسقِط معها كل دعاوى الحوثي بأن التصنيع للصواريخ يحدث في جبال مران وأن الحماية الإيرانية حاضرة وفعالة في كل مستوياتها حتى في تهريب تلك الاسلحة. الشحنة التي ضُبطت قبالة السواحل اليمنية، لم تكن مجرد ذخائر خفيفة، بل كانت معدات متطورة ومحرّكات طائرات مسيّرة وصواريخ بحرية، كلها موقعة ببصمة طهران. ومع ذلك، تم اعتراضها. أُجهضت وهي في طريقها إلى من يزعم أنه في مأمن من يد السعب والمقاومة.

فما الذي تغيّر؟ هل فقدت إيران السيطرة؟ نعم، وببساطة: إيران اليوم لم تعد الحامي، بل باتت هي نفسها بحاجة لمن يحميها. 

بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية التي اخترقت العمق الأمني الإيراني، لم تجد طهران ما تفعله سوى الترويج لإعادة ترتيب أجهزة الدولة ومنها تشكيل مجلس الدفاع وتعيين وجوه  "معتدلة"، كعلي لاريجاني، في مواقع حساسة، في محاولة يائسة لاحتواء السقوط. لكن خلف هذا المشهد، هناك صورة أخرى: جهاز أمني منكشف، قيادة عسكرية تم استهدافها بدقة، وخطوط إمداد انكشفت وأُحبطت. 

بينما يغرق الحوثي في مشاكله الداخلية ويحاول الحفاظ على بعض من تماسكه عبر القمع والجِباية، بدأت الحكومة الشرعية  تتحرك بخطى أكثر ثباتاً. تم تثبيت سعر الصرف بعد جهود حثيثة من البنك المركزي اليمني. وشهدت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية هبوطاً نسبياً في مناطق الحكومة، ما أعاد شيئاً من الأمل للمواطن البسيط. كما أعلنت الحكومة برنامجاً طموحاً لـ"خطة المئة يوم" لتحسين الأداء الاقتصادي والخدماتي، في وقت لا يملك الحوثي إلا شعارات مكرّرة ونهب مستمر. هذه التحركات، وإن كانت بداية، إلا أنها تعيد تعريف القوة في اليمن

اليوم، لم يعد الحوثي ذلك الفاعل القوي كما يصوّره إعلامه. لم يعد له نفس الهالة، لا بين اليمنيين ولا حتى بين أنصاره. فهو يعتمد على: الخوف والجباية لتمويل جبهاته. وكذلك القمع المفرط لإسكات أي صوت يعارض وخطابات دينية متطرفة لشرعنة تسلطه. لقد سقطت خرافة الحماية الايرانية، من لا يستطيع حماية جنرالاته ومفاعلاته ومراكزه النووية، لن يستطيع حماية ميليشيا معزولة في جبال اليمن ، من يرسل شحنة سلاح ويُفضح أمرها على الشاشات، لا يملك غطاءً، بل يُحرق من تحته ومن فوقه ، من يتوسل التفاوض مع الغرب، لا يمكنه أن يضمن استمرار تمويل الحوثي أو تسليحه.

ايران منهمكة في ترتيب وضعها الداخلي وتحسس مكامن الضعف وامام هذا لا تزال العصا الامريكية تلوح فوق جسدها متأهبة لضربة اخرى اكثر ايلاما للنظام الايراني ، بينما يقف الحوثي متربص لانفاس الناس خوفا من ثورة تجتاحه على غفلة ، فالوضع لم يعد يحتمل والفقر والظلم بلغ مستويات لا يمكن للناس ان تصمد اكثر امامها .