كثر الكلام وكثرت التكهنات عن رجل أمريكا الأول، وسيد التناقضات الأوحد في العالم دونالد ترامب، فالبعض يراه رجلاً معتوهاً يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ويتخلى عن العولمة الاقتصادية الجارية لصالح الاقتصاد القومي تحت شعار "أمريكا أولاً"!
وكأن الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة إلى جميع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية دون استثناء لم تكن باستمرار "أمريكا أولاً!!! ولم تستثمر العولمة الرأسمالية الموضوعية الجارية لصالح الولايات المتحدة أولاً، ولصالح حلفائها الأوروبيين ثانياً، وضد شعوب الدول النامة، ومنها تلك التي على حافة التحول صوب الرأسمالية.
علينا أن نعترف للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشيء جيّد، على الأقل، وهو أننا لا نشعر معه أبداً بالملل... فكلّ يوم هناك شيء جديد يحدث مع هذا الأشقر السبعيني الملياردير المتربّع على أقوى وأعتى ديمقراطية في العالم... كل يوم تسمع منه وعنه العجب العجاب. أشياء تفوق الخيال والمتوقّع والمعقول..
للأسف، هو فعلاً رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وهو جادّ في ما يقول ويفعل ولا يلعب ولا يمزح.
أعطى القدس، زهرة المدائن، لإسرائيل، «مزّق» الاتفاق النووي مع إيران، استهدف الاقتصاد التركي... وعمل على إلغاء قرار العودة لمن هجر قسراً في العام 1948، أو الاعتراف بالجولان السوري المحتل جزءاً من إسرائيل.
لم تأتِ هذه القرارات حباً بإسرائيل واليهود فحسب، رغم أن لديَّ قناعة ما بأن ترامب يكره العرب والإسرائيليين في آن واحد، ولديه رغبة عميقة صارخة في إشعال حروب جديدة في المنطقة للهيمنة عليها... إنه في عمق نهجه عنصري معاد للسامية، وللعرب، وضد المسلمين قاطبة في أعماقه، ولكن مصالحه الآنية وجشعه المالي تدفعه لمثل هذه المواقف إزاء إسرائيل، ولاسيما رغبته في كسب اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة إلى جانبه للبقاء في البيت الأبيض، إذ إن الكثير من أعضاء الكونغرس الأمريكي من الجمهوريين والديمقراطيين هم من مساندي هذا اللوبي ومساندي إسرائيل، رغم مواقف الكثير منهم النقدية لبعض أبرز سياسات ترامپ الأخرى... إلا إنه على المدى القريب والمتوسط يسهم في تعزيز مواقف الحكومة اليمينية المتطرفة، كل هذه الأفعال والتصرفات قام بها دون أن يرفّ له جفن..
ورغم كل الجنون السياسي والاستفزاز العالمي الذي أبداه ترامب، إلا أنه تلقى صفعتين قويتين الأسبوع الماضي، جعلتاه يكرر نفس خطابات الحكام العرب حين ربط بقاءه بالرخاء وأن عزله سوف يتسبب بسقوط الاقتصاد الأمريكي، وهنا تحول خطابه من رئيس دولة لها مؤسساتها ولا يُمكن عزله إلا بثبوت الأدلة والتأكد منها، إلى ما يشبه خطب ساستنا العرب بأنهم هم الوطن، وهم الحرية، وهم الرخاء وإن أرغموا على الذهاب سوف تنهار البلاد وتضيع العباد.
لكن الحقيقة الظاهرة للجميع تؤكد أن دونالد ترمب ليس اليوم في خطر، لأنه محمي بصفته الرئاسية وبالأغلبية الحزبية في المجلسين المكوّنين للكونغرس الأمريكي.
ولكن ماذا لو يخسر هذه الأغلبية في انتخابات نصف المدّة المقرّرة لشهر نوفمبر المقبل؟
عندها يكون هناك حديث آخر قد ينتهي بتوجيه التّهمة رسمياً إلى الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترومب الذي لا يمكن لأحد أن يتوقع ما قد يصدر منه من قول أو فعل في كل لحظة.