نبيل الصوفي
ديسمبر.. فاصلة عهد ومرحلة وطنية.. يمن جديد او لايمن
4 ديسمبر.. عندي، عنت انهيار كل ما كان قبلها.
كل ما دافعتُ عنه طِيلة 27 سنة.. وهي مدة كل حضوري الإعلامي والسياسي.
لم أكُن مع علي عبدالله صالح طيلة فترة حكمه.. ولم يبدأ ما يمكن تسميته بالولاء السياسي له إلا مع 2011.. قبلها كنت معارضاً له، وحتى بعد قراره تعييني في لجنة استشارية تخص برنامجه الانتخابي، لم أقترب منه، ولم أجد باباً للحماس في العمل ضمن فريقه، ولم أكتب ولا حتى تقريراً واحداً لتلك اللجنة.. بل أذكر أني كتبت مطالباً إياه بتغيير خطابه أو بإفساح الطريق لرئيس جديد في 2009م.
لكنّي في 2011 رأيت خطراً ماحقاً أكبر من معارضة أو الولاء لرئيس.. الرؤساء في بلداننا لديهم موظفون وليس موالين، ولكن في 2011 المسألة لم تكن مواجهة مع رئيس.. بل كانت، بتقديري، منذ لحظتها الأولى قفزة للهاوية بالبلاد كلها.
ثم اندفعت الأداءات الثورية مضاعِفة كل المخاطر.. خلال الأعوام التي فصلت بين ثورة الإخوان في 2011 وثورة الحوثي في 2014م.
ومن حرب الإخوان ضد "الرئيس علي عبدالله صالح"، إلى الحرب ضد الإقليم كله بثورة "الحوثة".
وكلها ثورات وحروب حزبية تنظيمية إسلاموية.. لاعلاقة لها، أبداً، بأحلام الناس العاديين بمن فيهم الذين وقفوا مع هذه الثورات بشعاراتهم الحياتية الوطنية..
شخصياً كنت ضد الثورتين. وكتبت ضدهما.. ثم تفجّرت الحرب، وهرب هادي مكتفياً بقدرته على الهرب.. تاركاً الدولة مشاعاً للحوثي.. وتلقف التحالف الأمر، وبدأت الحرب ضد الحوثي وما يريد تكريسه من وضع. وفي خطاب الحرب الأولية، سار العالم كله بعد "أحقاد وأكاذيب الإخوان وهادي" باعتبار كل السوء هو "علي عبدالله صالح".. هو من بيده كل شيء.. ولاتزال الأكاذيب هذه تبحث لها عن حضور في كل نقاش.. وهي أكاذيب تقابلها أكاذيب الحوثي بشأن خيانة صالح وأنه بالأصل حليف للتحالف.
ووجدنا أنفسنا، نحن المتمسّكين باليمن في نسخته تحت حكم الزعيم -ولا يعني هذا أبداً أننا ضد أي عمليات تحديث وتحسين وتغيير للأخطاء "الصالحية" التي ساهمت في زعزعة الاستقرار ضمن توجه تقديري لعظمة هذا الزعيم الذي حقق الكثر من الإنجازات ومعها الكثير من الخطايا والأخطاء
-وجدنا أنفسنا أهدافاً لحرب دولية.. وخَفَت صوتنا، وبقينا مطاردين تحت أزيز الطائرات والتهديد خارجياً، مقابل مخاتلة حوثية لم تنتهِ إلا وقد قتلتنا بعد ذلك بثلاث سنوات.
وفي ديسمبر.. لم يكن بُدّاً ممّا حدث، بكل تفاصيله.. بحربنا التي كانت حرب الضرورة لا حرب المخططات، حرب الرجولة لا حرب الإمكانات.. حرب النجاة الوطنية والبراءة وإعلان فشلنا في كل محاولاتنا حماية حتى الحوثي من تطرُّفه، فضلاً عن حماية صنعاء لتواصل لعب دورها الوطني والقومي لمعالجة آثار التطرّف والإرهاب والعنف والقتال.
عني لم أكن أتمنّى سوى أن يتحقق توازن في صنعاء يفرض على الحوثي التراجع عن غَيّه، غير أن الأقدار شاءت أن ينتصر الناس على الحوثي في ساعات قليلة، وكان ذلك النصر أكبر من خطتنا وأكبر من قدرة الزعيم وما بقي معه من إدارة لحمايته.. لذا خرج للناس يقول لهم هي ثورتكم لتعود لكم بلادكم وليست ثورة لتعود لي سلطتي.. وما هي إلا لحظات وتغيّرت الموازين، ولعلّ أكثر المخاوف بعد الحوثي كانت من نصيب تحالف الكذب عن حكاية "عفاش بيده كل شيء".. الذي كان سيتعرض لأكبر انتكاسة له لو نجا الزعيم وانتصرت ثورته..
ومن ثمَّ انهار كل شيء.. وقالت الأقدار كلمتها، تملي للحوثي ليزدادوا إثماً وغُلواً، لكي لايبقى معهم ولا لهم أي وجود أو قيمة أو تعايش..
واليوم.. فإن أي تحالف، أو أي حلم أو أي شعار.. أو أي أمل أو ألم.. يجب أن يُعاد بناؤه بمعزل عن كل ما سبقه، فما سبق كان دورة كاملة، صعوداً ثم انهياراً.. وصل إلى النهاية. وعلينا اليوم، لكي نستعيد وطننا، أن نبدأ من جديد.
ما عجز عن فعله الزعيم.. لن يفعله غيره من تحالفه وقياداته أو من خصمه وأعدائه.. فكل هذا لو كان بيد أحد منهم أن يغير، كان غيّر مما وصلنا إليه قبل أن نصل..
نحن اليوم بحاجة لجديد.. جديد في الخطاب، نحن بحاجة لخطاب يعبِّر عن تجديد حقيقي، لاينشغل بالماضي.. ليس لأن الماضي سيئ، ولكن لأن الماضي وصل لنهايته. ووكيل لهذا الماضي اليوم هو الحوثي.
لاقيمة اليوم للإصلاح ولا للمؤتمر.. في النهاية تحالفاتهما وصراعاتهما هي التي أنتجت لنا هذا الحال الذي نحن فيه.
نحن بحاجة لخطاب يعبِّر عن تجدُّد عميق في فهم المشكلات على هذه الأرض، وبين هذه التحالفات والصراعات.. فهمٍ ينتج حلولاً مختلفة بعيداً عن إعادة تكرار لأداءات وخطابات امتدت لنصف قرن من الزمان.. صنعت ما تقدر من النجاحات، وما لم تفعله خلالها لن تفعله اليوم.