منذ العام 2006، وحتى العام 2011، ظل المؤتمر الشعبي العام ورئيسه رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح وبجانبه نائبه هادي يخوضون معارك مختلفة وشاقة: دستورية وقانونية وفكرية.. سياسية.. اقتصادية.. اجتماعية.. وطنية.. لعل توافقاً يتم حولها مع أحزاب المعارضة الرئيسية الممثلة في تكتل أحزاب اللقاء المشترك الذي كان يقوده الإخوان المسلمون أو التجمع اليمني للإصلاح حسب المسمى العصري.. وكان الهدف الرئيسي تحقيق الصالح العام والمحافظة على ما كان من المصلحة العامة.
كانت الإصلاحات الاقتصادية تعني للمعارضة إطالة أمد السلطة، والوحدة الوطنية قمع حريات وتكميم أفواه، والدعوة إلى الحوار لا غرض لها سوى البحث عن مخرج للسلطة من مأزق عظيم.. فإذا قبلوا بحوار تحت ضغط ممثلي أمريكا والاتحاد الأوروبي أعلنوا مقاطعتهم له نهاية اليوم الثاني، والحجج التي تضحك الجمل كانت جاهزة، فمرة كانت الذريعة أن ثمة حرباً في صعدة، ومرة شعبوا وقالوا أوقفنا الحوار حتى يتم إطلاق معتقلين سياسيين، بينما لم يكن ثمة سياسيون في سجن ما، ومرة علقوا الحور بدعوى أن الجيش قتل مواطنين في بلدة المعجلة (هجوم أمريكي مميت حدث في المعجلة كان يستهدف القاعدة فقتل أبرياء).. ومرة، ومرة، ومرة....
قيل لهم: أنتم في ظل النهج الديمقراطي تعتبرون جزءاً من المنظومة السياسية في البلاد، فما لكم تنخرون جسد هذه المنظومة التي أنتم جزء منها، وتكرون نحو هتك الوحدة الوطنية؟ قالوا: أنتم وحزبكم الحاكم وحكوماته راكمتم مشكلات كثيرة وتستكثرون علينا أننا نقف ضدكم وتسمون ذلك نخراً للمنظومة السياسية في البلاد..
قيل لهم: حسناً، نحن نعترف أن البلاد تعاني مشكلات عدة، وها نحن ندعوكم إلى حوار وطني جاد ملتزم يهدف إلى حل هذه المشكلات التي تعترض تقدم حركة الحياة.. قالوا: لا.. أنتم تريدون منا إنقاذكم من الغرق، لا يمكننا ذلك، وما دمتم تعترفون بوجود مشاكل، فعليكم إلا حل هذه المشكلات التي يعاني منها الوطن، وبعد ذلك نقبل بالحوار! يا جماعة.. الناس يتحاورون للوصول إلى حلول للمشكلات.. وأنتم تقولون: يا مؤتمر، يا رئيس جمهورية، يا هادي، يا أرياني، يا باجمال، حلوا المشكلات أولاً ثم نتحاور، فعلامَ يكون الحوار ما دامت المشكلات قد حلت؟
كانوا يدفعون بالأزمة إلى الأمام، وكانت تكبر حقاً، ولكي تستمر وتتعقد كانوا يضعون شروطاً اعتقدوا أنها تعجيزية، فقال لهم الرئيس وحزبه: لا بأس في ذلك.. علي عبد الله صالح لن يترشح إطلاقاً بعد نهاية ولايته الرئاسية الحالية، وأيضاً لا يعتزم ترشيح ابنه أحمد، ولا، ولا، ولا شيء من دعاياتكم أو إن كانت مخاوف حقيقية تعتريكم.. والآن تعالوا إلى حوار بيننا وبينكم يثمر اتفاقاً على إحداث إصلاحات دستورية وقانونية تفضي إلى ضمان التداول السلمي للسلطة، وأن يصبح نظام الحكم رئاسياً أو برلمانياً، وخفض مدة رئاسة الجمهورية إلى خمس سنوات، ومدة السلطة التشريعية أربع سنوات بانتخاب كامل أعضاء الغرفتين (مجلس النواب ومجلس الشورى)، وبالانتخاب كل أربع سنوات، ونطور تجربة السلطة المحلية إلى حكم محلي واسع الصلاحيات أو إلى نظام أقاليم حتى، ونتفق على قانون انتخابات جديد يتضمن كل مقترحاتكم بما في ذلك القائمة النسبية وتشكيل لجنة الانتخابات من قضاة، ونحن من جانبنا نقترح أن يتضمن القانون نصاً يخصيص نسبة 15 بالمائة من مقاعد مجلسي النواب والشورى للمرأة.. ثم نجري انتخابات عامة رئاسية وتشريعية ومحلية حرة نزية شفافة، فإذا اختاركم الشعب فالمؤتمر سيكون إلى جانبكم وأنتم تحلون المشكلات وتقيمون مجتمع الرفاهية.. أولستم معارضة.. أليس مهمة المعارضة في أي دولة ديمقراطية هي المشاركة في الانتخابات العامة لكي تنافس وتحقق أغلبية وتتولى السلطة؟ قالوا: لا.. الانتخابات في أي وقت قريب تخدم المؤتمر الشعبي الذي طال عمره أكثر مما ينبغي.. وصاحوا بصوت واحد: لا للانتخابات.. وهكذا. في النهاية نقلت السلطة إليهم دون انتخابات، فخربوا البلاد وأهلكوا عشر العباد وأرهقوا التسعة أعشار المتبقية.. والعجيب أن عبد ربه منصور هادي، الذي كان يومها مسهماً رئيسياً في عرض تلك الأفكار والمبادرات على الإخوان المسلمين وأحزاب المشترك الأخرى، لم يحفظ منها شيئاً لنفسه بعد أن صار رئيساً للجمهورية وحتى اللحظة.