أمين الوائلي
غريفيث وهادي والحوثي.. ومحمد عيضة!
جعلنا المبعوث الخاص، لبرهة نتعاطف معه، فهو فشل بنجاح في إخفاء علامات الحيرة والعجز والذهول. لكن أيضا وللأمانة من يسعه أن يتعاطف مع غريفيث؟
لم يعد غريفيث يقطع وعودا واختفت تماما دبلوماسية التفاؤل التي ملأت إحاطاته السابقة.
يبدو أن الحوثيين قد نالوا منه أخيرا ومهما حاول أن لا يبدو يائسا فإن المعنويات لا تطاوعه وتخذله حقيقة تيقنه من حقيقة أن مجاراة الحوثيين "أمر سيء بما فيه الكفاية" وهو يصف تبنيهم هجمات السبت.
حتى أنه نسي موضوع الإحاطة الرئيس، الحديدة، وتقريبا ذكر أشياء ومواضيع كثيرة للمرة الأولى يتطرق إليها، وللمرة الأولى تجاوز موضوع الحديدة الذي صار ثانويا جدا على هامش الإحاطة.
فاجأنا غريفيث وهو يتخلى عن حكاية "تقدم كبير" في إحاطاته السابقة التي كان يستعين عليها، بمساعدة مخلصة من فخامة الشرعية، بتدبير لقاء على عجل للجنة التنسيق وكيفما تأتى قبيل موعد الجلسة بأيام على ظهر سفينة عائمة.
اللقاء والاجتماع الأخير قبل أيام (السادس) في المياه المفتوحة قبالة الحديدة كان مقررا له أيضا أن يوفر مادة الإحاطة المرتقبة لجلسة يوم الاثنين.
لكن هجمات السبت عصفت بالترتيبات وغيرت الجدول والأولويات وفرضت واقعا جديدا بالمرة ولم يعد الوضع يحتمل دبلوماسية الإشادة المكرورة بسيد الحوثيين والتزامه الكبير بعملية السلام.
هكذا استجدت إحاطة بمضمون طارئ ولم يجد المبعوث ما يقوله حول الحديدة ومدى تقدم تنفيذ قرارا مجلس الأمن واتفاق السويد.
بإيجاز شديد ومكثف قال غريفيث "هذا أمر يخيفنا ويروعنا ويتعارض تماما والمباحثات المفصلة التي أجريتها لاتخاذ سلسلة من الخطوات من أجل التهدئة".
يبدو غريفيث كمن ألقى عنه الأوراق والملفات وكف عن التفاؤل ومني بإحباط شديد من قبل الحوثيين وهو فعل كل شيء وأكثر لإعادة تصديرهم والتسويق لهم والتمكين لهم أيضا، والنتيجة: "هذه الأعمال قد تجر اليمن إلى انفجار إقليمي" حسب ما قالت إحاطته الاثنين.
لا نعرف نحن ما هي سلسلة الخطوات من أجل التهدئة التي تحدث عنها غريفيث. ولا يخفي انسجامه فيها مع الشرعية والحوثيين، فهما طرفا التفاوض وبينهما وسيط بريطاني لطالما أثنى عليهما، الرئيس والسيد. كما كررها أمام مجلس الأمن في غير إحاطة.
لكنه أمس في إحاطته كشف، قاصدا أو غير ذلك: "ما ذكره الرئيس عبد ربه منصور هادي للمبعوث الخاص الشهر الماضي حيث أكد على أهمية إحراز تقدم عاجل لاحتواء الحرب".
هكذا.. استهداف إحراز تقدم (على أي وجه وبدون معالم) لاحتواء الحرب عاجلا مع الحوثيين، رافقه تفجير لحروب طارئة وسيئة جنوبا وشرقا.
هذا يفسر طبيعة الكلفتة التي أدارت الاجتماع الأخير للجنة التنسيق في غياب غريب ومريب للتمثيل الرئيس ولرئيس اللجنة وبعد إزاحة صغير بن عزيز. وخرج ذاك البيان الفاضح معيدا الأمور إلى نقطة الصفر والحديث حول أول خطوات بناء الثقة والبحث في تفعيل التهدئة. ولم يعد هناك ذكر لإعادة الانتشار والانسحاب والموانئ.
كما أنه يعزز عندي يقين "الحديدة.. وخديعة 9/9". ويزكي التحفظ إزاء تصريحات محمد عيضة رئيس الفريق الحكومي الذي بدا ملكيا أكثر من الملكيين في اللجنة المشتركة وهو يوصي بالتفاؤل ويحث على السلام ويدعو الجميع إلى "دعم هذه الخطوة"، متحدثا "أبدينا مرونة عالية تتويجا لحرص القيادة السياسية".
الكلام يفسر بعضه. حرص القيادة عند عيضة تكامل مع تأكيد الرئيس عند غريفيث. والنتيجة كانت نسف مضامين وخطوات الإجراءات التنفيذية لاتفاق الحديدة وإنهاء شروط الانسحاب وإعادة الانتشار وتسليم الموانئ والسلطة المحلية والتراجع عن مسرحية تغيير الأزياء. هذا كله حدث في اجتماع منخفض التمثيل وبرئاسة القائم بأعمال رئيس اللجنة.
لطالما صرخنا وكتبنا ونزفنا رفضا وألما وإدانة وتحذيرا إزاء تصرفات وإحاطات وتحركات غريفيث مع الشرعية والحوثيين، ثلاثي العصابة التي حصنت الحوثيين بالفيتو البريطاني.
كانوا يعبثون بطريقة سيئة للغاية، ثلاثتهم معا. باسم السعي للسلام خدموا الحرب وخدعوا اليمنيين ومكنوا للحوثيين أكثر وأخطر.
لكن.. بالأمس قال غريفيث، الذي كان يعدنا بإسهاب بتقدم كبير وسلام أشقر بعينين عسليتين "أن اليمن يبدو وكأنه يتحرك بعيدا عن السلام الذي ننشده جميعنا. الحرب تتواصل".
هذه معزوفة ختام جنائزية تضع حدا للأوهام وللمهام..