ارتكز "حوار جدة" على قاعدة استراتيجية مفادها: "الانسحاب الإماراتي الكامل من عدن، والتدريجي من عموم اليمن... في مقابل استيعاب الانتقالي جزئيا في جدة، والاعتراف به رسميا في الرياض".
وقد أنجز "الشق الإقليمي" من "اتفاق جدة" بين الرياض وأبوظبي.
لذا فإنه وبصرف النظر عن الصيغة النهائية لمسودة الاتفاق، وعن الموعد النهائي لتوقيعه من قبل أطراف الأزمة؛ فقد غيرت منصة جدة -وبشكل جوهري- موازين القوى العسكرية داخل المناطق المحررة جنوبا، مكرسة التفوق والتفرد السعودي عما سواه.
وبالمثل تمكنت الرياض من دمج جميع القوى الصاعدة والفاعلة (سياسياً وعسكرياً) تحت مظلتها الجيوسياسية، وباتت تمسك وحيدة بأهم مفاتيح "الصراع/الحل" اليمني -باستثناء الحوثي الذي يجري العمل عليه سياسياً على أمل أن يتم احتواؤه تدريجياً مقابل إبعاده عن دائرة النفوذ الإيراني-.
أما الشق المحلي من الاتفاق -والذي لم يكتمل حتى الآن- فمن المفترض به أن يؤسس لتغيير جوهري في المعادلة السياسية؛ لمصلحة الانتقالي أولاً، ولمصلحة القوى السياسية المنادية بإصلاح بنية الشرعية ثانياً.
طبعاً ليس من السهل تقويض بنى الحرب والفساد التي تكرست داخل الشرعية على مدار نصف عقد، وليس من المتوقع أن يقبل "محتكرو الشرعية" بتكرار تجربة التوقيع تحت الأمر الواقع، وهم يرون أن التاريخ يعيد نفسه لكن مع مزيد من الفخاخ والكمائن؛ فبدلا عن "السلم والشراكة"، يخشى هادي وعلي محسن أن ترعى السعودية اتفاقا جديدا على قاعدة "السلم والاستقلال"، لاسيما إن تضمن الاتفاق أي بند ينص على انسحاب قوات الجيش الوطني الموالية للإصلاح من المناطق النفطية في شبوة وسيئون.
في المحصلة جاء حوار جدة كإعلان ضمني عن نهاية تحالف الحرب في اليمن بين السعودية والإمارات. لكنه أيضا يدشن علاقة ثنائية مغايرة على قاعدة "السلام أولا"؛ والتي أعلنت عنها أبوظبي كمبدأ استراتيجي قبل بضعة أشهر.
فالإمارات، وبعد أن استكملت مجمل أهداف الحرب المتعلقة بمحاربة الانقلاب ومكافحة الإرهاب، قررت استثمار جهودها ونفوذها في إطار الحل السياسي.. وعملت مؤخرا على هندسة تسوية جزئية بين "حليفها المحلي" و"حليفها الإقليمي"، على أمل أن تقود جهودها الحالية إلى بناء تسوية شاملة.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك