فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

الخفاش إسلامي والدواء نصراني!

Sunday 10 May 2020 الساعة 03:24 am

أمسى تفشي فايروس كورونا، مناسبة جيدة للإسلاميين لمهاجمة الكفار! على أكلهم لحوم الحيوانات والحشرات والطيور التي حرم الإسلام على أهله أكلها، وأصبحوا يروجون أن فايروس كورونا الذي اجتاح البسيطة أصاب الصينيين في البداية لأنهم أكلوا لحوم خفافيش واحتسوا مرقها.. وهو الشيء الذي لم يحدث، حتى إن الإدارة الأميركية حين ذهبت تبتز الصينيين، ادعت أن الفايروس تخلق داخل مختبر دراسة الفايروسات بمدينة ووهان، بغض النظر كونه خلق عمداً أو نتج عن خطأ علمي.. موضوع مرق الخفاش يثار عندنا فقط.. في هذه الجهة من الدنيا التي تسمى العالم الإسلامي، يتم إتقان صنع الخرافات العصرية أو الشائعات ونشرها بين الناس، لكي يزدادوا جهلاً، وتبقى عقولهم معطلة، إلا لجهة استقبالها للقمامات الثقافية التي ينتجها الإسلاميون ويسكبونها في رؤوس المسلمين.

من أين وكيف جاء فايروس كورونا وانتشر؟ هذه مسألة قد حسمت، ولم تعد تثار إلا من قبيل الابتزاز السياسي كما في مثال الإدارة الأميركية مع الصين.. العالم منكب اليوم في مهمة البحث عن عقار أو دواء أو لقاح للفايروس، والجماعة الإسلامية ما تزال عند أكذوبة لحم الخفاش ومرقه، لأنها لا تستطيع الإسهام في هذا المجال إلا ببضاعة الخرافة والشائعات.

في العالم اليوم أكثر من مائة وستين تجربة علمية لاكتشاف عقار أو دواء أو لقاح.. العلماء في النمسا وسويسرا والصين وفرنسا والولايات المتحدة يجربون معالجة المصابين بمصل بلازما الدم (يؤخذ من مرضى متعافين).. علماء صينيون ابتكروا دواءً فعالاً أسموه ليانهوا تشينغون، وشرعت شركة بيلينغ الصينية في إنتاجه، كما ستنتجه شركات أدوية في ثماني دول آسيوية أوروبية وأميركية لاتينية... والعلماء الأميركيون في مختبر غيلياد ساينسز أوصلتهم أبحاثهم إلى عقار رمديسيفير، الذي أظهر أثراً واضحاً في مساعدة المصابين بالفايروس على الشفاء، بل والشفاء المبكر حيث قلص فترته من 15 يوماً إلى11 يوماً، وهو في مرحلة التصنيع، وقبل أيام صرحت اليابان باستخدامه.. والعلماء في جامعة أكسفورد أجروا تجربة على خمسمائة شخص بغية إيجاد لقاح، ونجحت تجربتهم، وقالوا إن اللقاح سيصنع في ألمانيا بحلول شهر سبتمبر المقبل.. علماء من الاتحاد الأوروبي يدققون هذه الأيام في نتائج تجربة علمية أطلقوا عليها اسم ديسكوفري، من المحتمل أن توصل في النهاية إلى دواء رئيسي.. وبالقرب منا، أكد علماء إسرائيليون في معهد الأبحاث البيولوجية بمدينة نيستيونا، أنهم حققوا نجاحاً مهماً في تطوير علاج بناءً على نتائج دراسة الفايروس نفسه، وهو عبارة عن جسم مضاد وحيد النسيلة يستهدف الفيروس ويستطيع تحييده في جسم المريض حسب تصريحاتهم، ولم يتبق سوى تسجيل براءة الاختراع، واختيار شركة أو شركات دولية لديها القدرة الكافية لتصنيع الدواء بكميات كبيرة.

هذا ونحن ما زلنا نمضغ حكاية مكذوبة، أو شائعة الصينيين الملاعين الذين احتسوا مرق خفافيش وأكلوا لحومها، فأصيبوا بالفايروس فوراً وأصابونا معهم!

لو قلنا دعوكم من هذه الخرافة الجديدة، واسألوا أنفسكم لماذا غاب العالم الإسلامي عن مبارزة الفايروس في ميدان العلوم؟ سوف يردون علينا –كما هي عادتهم من قبل- بعبارات خرجت قبل أكثر من مائة سنة، من ألسن مثقفين عرب ومسلمين مثل عبد الرحمن الكواكبي، في مضمار تبرير التخلف الحضاري، حيث زعموا أن الاستبداد الذي ساد في كل مراحل التاريخ العربي- الإسلامي، واستعمار الغرب لأوطاننا كانا سبباً في تخلفنا العلمي، الذي بدوره حال دون الوصول إلى أي نظريات أو كشوف علمية أصيلة.. هكذا، وكأنما جاليليه، و كوبرنيكوس، ونيوتن، وأمبير، وواطسون وأضرابهم، كانوا ينعمون بالحرية والرفاه حين كانوا يفكرون ويبحثون، وتوصلوا لنظرياتهم ومبتكراتهم وكشوفاتهم العلمية!

لا.. ليست تلك هي المشكلة، أو المعوق، فمن ناحية صارت معظم البلدان العربية والإسلامية متقدمة علمياً، ففيها جامعات ومراكز بحوث علمية حديثة، وتستعير أغلى الباحثين والأساتذة الغربيين، وهي مزودة بأحدث وسائل التكنولوجيا أيضاً، فضلاً عن توافر قدر جيد من حرية التفكير والبحث العلمي والتجريب.. ومن ناحية ثانية إن كنت على يقين أن التخلف العلمي هو المعوق، فلِمَ تعادي كل علم جديد، وتنتج على مدار الساعة خطاباً يحقر العقل، ويعادي الحرية، ويهاجم العلوم، ويزيف وعي العرب والمسلمين؟ وهنا نحن أمام مظهر من مظاهر المشكلة فحسب، إلى جانب ذلك الثقافة السطحية، والتفكير الخرافي، والتعايش مع الشيء ونقيضه في نفس الوقت، والاعتماد على الشائعات التي تروج في غياب تفكير نقدي لم يتعلمه تلميذ أو أستاذ في مدرسة أو جامعة أو مسجد بسبب السيطرة طويلة الأمد للإسلاميين عليها وعلى مناهجها، وعلى طرائق الدراسة والتدريس فيها.. فضلاً عن هذا قد اعتمدوا لكل الأدواء وسائل علاجية بديلة وأدوية من هدي القرآن والسنة: بول الإبل، الرقية الشرعية، العلاج بالقرآن، شفاء الممسوس، جلب الغائب، فك المعقود، ترديد الأوراد على المصابين بالحميات، طرد الجان بالمعوذتين، والحجامة لاستخراج الدم الفاسد!