محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

"الثنية" المترس الأول للحرية.. الصالح والزوكا والرفاق أول الشهداء

Saturday 05 December 2020 الساعة 02:30 pm

الثُنية منطلق الانتفاضة وبادئة الرصاصة الأولى في وجه الغُزاة الجُدد، الصدح بصوت الجمهورية، وباعثة الأهداف الستة من مرقدها، وقفت في الصف الأول والمترس الأول وجهاً لوجه مع الكهنوت الذي باع بلاده ودينه لعمائم طهران السواداء، هي المهد لانتفاضة تكللت بالنجاح وفتحت ثغرة للنور بدماء قادتها ورفاقهم الأبطال. 

كانت أصوات القذائف تدوّي في حي الثنية، كالمطر تتساقط على بيت علي عبدالله صالح، مترسه الأخير في صف الجمهورية. وبجواره الرفيق عارف الزوكا، المعركة تقترب من النهاية، لكنها في ذلك الوقت بداية الحرب التي لا بد من خوضها من أجل كل شيء في هذه البلاد، من أجل أن لا يُعاد بالناس إلى العبودية والأغلال من جديد. 

تلك الأصوات الأخيرة للمدافع وهي تمطر الثنية بالقذائف لم تكن إلا بداية البعث من جديد، وتلك الأصوات الأخيرة للأبطال الذين قالوا لا في وجه من قالوا نعم لم تكن إلا وقوداً لسطوع شمس المقاومة، وفي تلك اللحظات الأخيرة للولادة، كانت عيون تراقب الثنية وتسمع النداء ولكن لم تستجب للحرية، هي الآن تعض أصابع الندم والأغلال في عنقها على أبواب عصابة الحوثي.

أُسكتت الحرية في الثنية، وساد الكهنوت بظلامه على صنعاء، وارتفع شهداء الحرية إلى السماء، ذلك الإسكات لحظة فارقة في تاريخ البلاد، وموقف ذهول من التحول السريع في الوضع العام، في تلك اللحظة لم تكن هناك صياغة واضحة للساعات القادمة، حتى إن الجميع اعتقد أن الحرية دُفنت، وأن لا بد أن يتهيأ الجميع لأغلال العبودية والخضوع للحوثي وعصابته.

لم تكن الثنية إلا رمزاً لمواجهة العبودية والكهنوت، أما الحرية فهي فطرة الله في الإنسان، يحاول الحوثي أن يسلبها من اليمنيين، وكأنه لم يقرأ التاريخ ولم يدرك الواقع، ولم ينتبه أننا شربنا الكرامة والحرية ولم يعد هناك متسع لأي خضوع أو عبودية، سواءً باسم الدين أو باسم السماء.

الثنية قاومت العبودية، ولم تستسلم لها، واليوم يقاوم الناس رفضاً لأي شكل من أشكالها، يمارس الحوثي خداعه وحباله الكاذبة من أجل إخضاع الناس له، لكن هيهات أن يكون سيداً والناس له عبيداً.

وللحرية ثمن لا بد أن ندفعه، رفع الصالح والزوكا ورفاقهما بنادقهم من أجلها، وأطلقوا الرصاصة الأولى دفاعاً عنها، وحملوا أنفسهم شهيداً يحمل آخر، رفضوا الإذلال والخضوع، وقالوا هذه أرواحنا إما أن تعيش في أجسادٍ حرة، أو نمنحها الحرية للسماء، وصدقوا قولهم وفعلهم، ومنحوا أرواحهم الحرية، من أجل أن لا يسود الكهنوت وتنتشر أغلال العبودية على رقاب الناس.

لم يكن علي عبدالله صالح إلا رجلا مقاتلا وزعيما نذر روحه للحرية، رفض الذل بعد الكرامة، ومات وهو يحمل بندقيته بعد أن فتحت له أبواب المغادرة، لكن أي مغادرة تلك التي أرادوها له! 

لم يكن عارف الزوكا إلا رجلا شهما كريما، مقاتلا لا يشق له غبار، ابن شبوة الذي نذر نفسه للحرية ورفض الضيم، وهو الذي كان بمقدوره أن يترك رفيقه ويغادر للعيش في أي بلد يريد، لكنه مدرسة الوفاء والتضحية لا يمكنه أن يخون أو يغدر أو يبيع حريته وكرامة أبناء بلاده.

والرفاق الذين رفضوا أن يتركوا الثنية إلا شهداء أو عائدين إليها بالحرية والكرامة، أولئك خير الرجال، لم يكونوا إلا الشعلة التي أنارت للآخرين طريق الحرية، وعلى نهجهم تشكلت وحدات المقاومة الوطنية في الساحل، وإنا من صنعاء وإنا إليها عائدون بالحرية والكرامة.