محمد عبدالرحمن
"الإخوان" جنوباً و"الحوثي" شمالاً.. اليمن بين الرايات "الإيرانية" و"التركية"
سبع سنوات من الحرب غيّرت وجه اليمن وخارطته السياسية والاجتماعية، وأصبح كل شيء يتم إعادة تشكيله بأدوات قاسية "الحديد والنار"، المجتمع والتاريخ والعقيدة والهوية، إعادة تعريف لكل الأشياء التي كانت تنتمي إلى اليمن جغرافيا وهوية، تتم إعادة تعريف اليمن بمحركاتها الصدئة التي تقود التمزيق والتشظي شمالاً وجنوباً بين "الإخوان" و"الحوثي"
لا يكون خوض الحرب إلا لهدف معلن أو غير معلن، والمشاريع الوطنية التي يجب أن تكون هي الدافع للحرب، هي من يلتف الناس حولها، وتكون المعركة معها حاسمة وسريعة، وفي اليمن طغت المشاريع الأجنبية، وأصبح صوتها وبنادقها هي من تخوض المعركة ضد بعضها، يقاتل الحوثي من أجل المشروع الإيراني، ويقاتل الإخوان من أجل المشروع التركي، ويقاتل اليمنيون من أجل لقمة العيش وبلادهم.
استطاع الحوثي أن يتغلغل في الشمال، تضافرت عوامل كثيرة ساهم الإخوان في صناعتها من أجل أن يكون الشمال نفوذاً إيرانياً، أحد أبرز هذه العوامل هي إدارة الشرعية التي تركت الميدان واستحلت البقاء في فنادق الرياض، وعندما لا تكون هناك قيادة وطنية تعمل في الميدان ومع الناس، فإن الناس تصبح أكثر ضعفاً واستسلاماً، وهذا ما حدث في الشمال.
لأن الناس في الشمال تُركت بلا قيادة وطنية حقيقية، وبعد أن أصابها الكثير من خذلان "الشرعية"، كان ذلك فرصة لأن يتمتع الحوثي في إتقان تنفيذ المشروع الإيراني وأصبح تواجد القيادات الإيرانية في صنعاء شيئا طبيعيا، والرايات الإيرانية هي الوشاح الذي يحاول أن يطمس العلم الوطني، وأصبحت لصنعاء عمامة سوداء تُدار من داخل طهران.
في ظل الانشغال الحوثي شمالاً، وجد الإخوان أن الجنوب لا بد أن يذهب بعيداً عن المعركة الوطنية، ولا بد أن يدخل ضمن دائرة المشاريع التركية، هذه المشاريع التي توفر لهم إمكانيات كبيرة من أجل البقاء في السيطرة على السلطة والثروة، أو يصبح الجنوب مرتعاً للصراعات والأزمات، حتى يطمئن الحوثي لحكم الشمال ومن ثم التفرغ للجنوب، وهذه سياسة الانتقام التي يمارسها الإخوان، الانتقام بالحوثي من كل شيء لا يعجبهم.
بعد تحرير الجنوب الذي قادته دولة الإمارات والمقاومة الجنوبية، شعر الإخوان أن مصالحهم في خطر إذا لم يتوقف الدور الإماراتي ويصبح الجنوب هو منطلق المعركة الوطنية شمالاً، فعملوا على الدفع وبقوة لتوطين المشروع التركي، واستدعاء القوات التركية والترحيب بها في الجنوب ولمواجهة الجنوبيين، وكأن الجنوب لا بد أن يكون رافعاً للراية التركية، وإلا فإنه انفصالي وشعبه خليط من الهنود والأفارقة.
ضاعت اليمن بين المشروع الإيراني والتركي، وأصبحت الدول هي من تحدد مسار الحرب في اليمن، تتحكم إيران بمسارات الحرب في اليمن عبر مسار الاتفاق النووي، وتتحكم تركيا بمسار المعركة شمالاً عبر خلق الفوضى في الجنوب، في مقابل ذلك تنبعث حركات وطنية تحمل المشروع الوطني وتحاول أن تصمد في وجه المشاريع التي تريد أن تبتلع اليمن.
تقزيم اليمن وتقسيمها يتم عبر الحوثي والإخوان، ولا يمكن أن يقوما بذلك إلا ضمن المشروع الإيراني والمشروع التركي، وفي مواجهة ذلك يحاول الجنوب أن يصمد ويسند المقاومة الوطنية التي حملت على عاتقها المشروع الوطني وتحرير الشمال، وبدعم واعتراف بالفضل للإمارات التي تريد استعادة اليمن إلى الحضن العربي وانتزاعه من المخالب الإيرانية والتركية.