د. صادق القاضي
إلهة الشِّقاق "إريس". ولقاء الإخوة في الساحل الغربي!
كما لو كانت معادلاً موضوعياً للإلهة "إريس" إلهة الشّقاق والخلاف والنزاع في الميثولوجيا الإغريقية.. يمكن ملاحظة أن "جماعة الإخوان" تقوم بالدور نفسه في علاقة المكونات السياسية اليمنية ببعضها وباليمن:
حضورها يعني -إلى حدٍّ بعيد-: غياب الود والانسجام والتعاضد والثقة والشراكة.. بين هذه الفصائل والمكونات. وحضور الشك والريبة والفرقة والتربص والشّقاق الذي يصل أحيانا حد التصادم والتناحر الدموي.!
معظم الأزمات والحروب في اليمن، خلال السنوات والعقود الماضية، شواهد عملية على هذه القاعدة المضطردة التي حكمت علاقة المكونات السياسية اليمنية ببعضها في التاريخ اليمني الحديث.
"حروب المناطق الوسطى" في ثمانينيات القرن الماضي، على سبيل المثال. حضرت هذه الجماعة الدينية الشمولية بقوة وراء وأمام وضمن تلك الحرب الأهلية. كإسفين بين النظام المعتدل وفصائل معارضة كان يمكن استيعابها كما حدث لاحقاً من خلال الحوار.
لاحقاً، إثر تحقيق "الوحدة اليمنية" عام 1990، نشب هذا الإسفين بين شركاء النظام الواحد. لم يكن الاختلاف الطبيعي بين الشريكين ليصل حد الخلاف والصدام العسكري، لولا هذه الجماعة التي تعتبر حرب صيف 1994م. "معركتها الخاصة".
وبشكل أقرب. حضور هذه الجماعة ضمن المكونات الوطنية التي تجمعها قضية إسقاط "الانقلاب الحوثي"، واستعادة الدولة.. منذ سنوات و"الإخوان" يوجهون إمكاناتهم وإمكانات الشرعية، والرأي العام. ليس ضد الخصم الحوثي المشترك بل ضد شركاء القضية والمقاومة.!
"المجلس الانتقالي"، و"القوات المشتركة" في "الساحل الغربي" ثم "المجلس السياسي".. من وجهة نظر "الإخوان": كل "المناطق المحررة" التي ليست تحت سيطرتهم، مناطق محتلة تحت سيطرة قوى أجنبية معادية، ويجب تحريرها.!
في المقابل. كان غياب "الإخوان" عن القوى والخطوات والجهود والتوجهات النبيلة التي أفضت إلى قيام "الوحدة اليمنية" عام 1990، بل ومعارضتهم ورفضهم لقيامها بشكل صارم.. عاملا حاسما للنجاح في تحقيق هذه الوحدة المجيدة.
في غياب الإخوان. تتلاشى الحواجز بين اليمنيين، وتصبح الشراكة الوطنية هي الأصل ووحدة الكيان الوطني خطوة ميسورة بلا معوقات، كما حدث مؤخراً بين "الإخوة الأعداء" في تعز والساحل الغربي.!
فجأةً. بدا أن كل تلك المشاكل العويصة ذات العلاقة بين الجانبين، مجرد وهم زائف، دأبت الماكينة الإعلامية والسياسية الإخوانية والأدوات التابعة لها، منذ البدء، وحتى اليوم، على صناعته وترويجه وتكريسه في الأوساط السياسية والرأي العام.!
حسب مفردات تلك "البروبجندا" الموجهة، فإن "الساحل الغربي" "محتل" ومديرية "المخا" يُراد اقتطاعها من تعز واليمن، في حين قام الإخوان أنفسهم برفض سكن أسر مقاومين من صنعاء وعمران في مناطق التربة والحجرية، وكأن المناطق الشمالية ليست من اليمن.!
هكذا تبلورت شعارات غوغائية مثل "تحرير المخا" و"المخا حقنا". وفي كل حال: فنّد محافظ تعز -في زيارته مؤخراً، مع عدد من كبار مسئولي المحافظة، لمدينة "المخا"- هذه الأكاذيب:
- عمليا، بقيامه بتفقد الأوضاع في المخا وافتتاح عدد من المشاريع. بشكل طبيعي للغاية.
- ونظرياً. بالحديث: عن بلاد واحدة ومدينة واحدة وشعب واحد. وقضية واحدة ومعركة واحدة:
"نحن طرف واحد، ولا توجد أي إشكاليات أو سوء تفاهم، بل لدينا تنسيق مشترك ومتكامل مع إخواننا في المقاومة الوطنية والقوات المشتركة منذ أول طلقة لمعركة التحرير الأخيرة والتعبئة العامة".
من جهته دعا العميد "طارق صالح" مجددا الشرعية والدولة للقيام بمهامها الإدارية البديهية، في الساحل، نافياً أي نية لـ"إنشاء كيان جغرافي في الساحل الغربي منفصل عن محافظتي تعز والحديدة"، مذكرا بمحاولات سابقة "للتخويف من المقاومة الوطنية، والقوات المشتركة ونيتها السيطرة على مدينة التربة" جنوبي تعز".
أضاف شمسان:
العميد صالح "عمل على دعم وتمكين إدارة ميناء المخا من البدء بعملية تأهيل الميناء دون عوائق". كما وعد "بمتابعة فتح طريق المدينة الكدحة المخا، كشريك معنا في ترسيخ وتطبيع الأوضاع بمديريات الساحل".
بمعنى: لا وجود للمشاكل الزائفة منذ البداية، وفي المحصلة. كانت الزيارة خطوة مهمة ناجحة بكل المقاييس، ويعزى هذا النجاح. على الأقل جزئياً إلى غياب "الإخوان"، ربما سهواً، عن خلفيات وإجراءات هذه الفعالية المهمة، وفي النهاية ودائماً: نحن أخوة. إذا غاب "الإخوان" وغفلت الإلهة "إريس" عن حيثيات هذه الأخوة.