أقصدك أنت. نعم أنت. أنت الشخص العادي الذي لم يكتشف شخصيته غير العادية، ويظن -هكذا بلا أيّ محاولة للتحقق- أنه ليس أكثر من مجرد قطعة في لعبة، أو ترس في آلة، أو رقم في حسابات أكبر منه.!
أنت كيان مستقل، وكينونة حرة، وشخص مهم ومميز للغاية. نسخة واحدة وحيدة من عمل خاص فريد من نوعه. لم يوجد، ولن يوجد، ولا يوجد في العالم منك اثنان.
افهمني.. كل إنسان هو هكذا. نسيج وحده، حالة خاصة استثنائية لا يمكن لها أن تتكرر. وأنت. لست أول فرد لا يعرف فرادته، ويحاول أن يكون صدىً لأشياء وأفكار أخرى، وظلاً باهتاً لآخرين.!
هذا يعني -إن كنتُ محقا بشأنك- أنك لا تعيش حياتك، بل الحياة التي يراد لك أن تعيشها.. وبمعيار المصالح قد تربح الكثير في مقابل خسارة نفسك.
ولتربح نفسك.. لا أعرف بالضبط ما الذي عليك عمله، لستُ حكيماً، واستسمج الوعظ والإرشاد، وعموماً هذه رسالة وجهتها إلى حفيدي العاشر في تصور مجازي:
لا تسمح لأحد باستلابك منك، أو ابتزازك، أو المزايدة عليك. باسم أيّ شيء:
لا باسم الله.. لأن الطريق إلى الله يختلف عن الطريق إلى السلطة أو الثروة أو الجاه.
ولا باسم القومية.. لأن القومية ليست أفضلية للنوع، بل فضيلة للتنوع.
ولا باسم الوطن.. لأن الوطن ليس هبة الجغرافيا للإنسان، بل هبة الإنسان للجغرافيا.
لا تنخدع حتى باسم الحرية.. لأن الحرية قد تكون أيّ شيء، أيّ شيء.. إلا الإيمان الأعمى والثقة الصماء، والانقياد الأخرس.
ولا تتأدلج.. الإيديولوجيا، مطحنة هائلة للعقول والمواهب.. ومدجنة شرسة لمسخ الشخصية، وزج الفرد في القطيع.
الإيديولوجيات نظريات بلا نظر. وحتميات بلا أقدام. هي أن تؤمن لا أن تفكر. وأن تتنازل عن حريتك في سبيل قيود معاصرة كثيراً ما تتلبس وجه الحرية.
لا شيء إجباري. فقط: لا تهرول مع الأغلبية، أو تسجن نفسك في الأقبية، وتعلّم كيف تكون خبيراً في فحص ونقد الأفكار، واكتشاف الزيف والنفاق والرياء والمزايدة.
العمل بالمبادئ شيء.. والمزايدة بها شيء آخر.. منحط ومختلف تماماً.. الفرق بينهما كالفرق بين القيادة والقوادة، بين ممارسة الحب والانتكاس في الدعارة.
المبادئ قيم عامة سامية مجانية مجردة، والابتزاز والمزايدة بها أساليب قذرة لتحويلها إلى مكاسب انتهازية ومصالح خاصة.!
لكن القضية ليست بهذا الوضوح دائما، وبالذات بالنسبة للأسماك الحمقاء والعصافير البريئة التي ستظل تنجذب إلى الأشياء الملفتة في فخاخ الصيادين.
كما أنها ليست بهذه السهولة التي قد تبدو عليها. إن أصعب الأشياء على الإطلاق. هي أن يكشف الإنسان شخصيته على حقيقتها، ويعيش حياته كما يريد.
لكن. ولو بالحد الأدنى: كن سيد نفسك.. في تدينك واعتزازك بقوميتك، وحبك لوطنك، وعشقك لحريتك.. وفي موقفك من أيّ قضية في الكون.
السيادة قيمة فردية عظيمة لا تنسجم بأيّ حال مع وجود سادة من أيّ نوع.
المهم أن تتأكد، في كل مرة، أن موقفك يعبر عنك، ويصب في حساب الحق والعدل والحرية والجمال، لا في حسابات القائمين عليها من النخاسين، وسماسرة القيم والشعارات..
أنت إنسان، والإنسان كائن عظيم، فريد في الكون، ومن حقه ممارسة فرادته على الأرض، والحرص عليها من الشمولية، وحمايتها من المصادرة والمحو والاستلاب.
أنتَ.. لست أنت. إلا لأنك مختلفٌ عن الآخرين.